شجرة القطن في بداية القرية كبيرةٌ وخشِنة، جذورها مقوسةٌ إلى أعلى، متفرعةٌ إلى أغصانٍ كثيرة، تغوص في الأرض كيدٍ عملاقةٍ تحفر في الوطن. عندما يسأل الكبار عن موعد ميلاد هذه الشجرة، يكون الجواب دائمًا: "رأيتها عندما كبرت". وأنا، منذ أن كنتُ أستطيع الركض إلى طرق القرية وأزقتها، رأيتُ شجرة القطن.
جذع الشجرة له جلد خشن متعفن ومغطى بالطحالب الخضراء، وفي بعض الأحيان يكون به نتوءات بحجم قبضة الطالب.
تدور الفصول الأربعة والفصول الشمسية الثمانية، ومع حلول الربيع، يختفي "عجوز" الشجرة، وتبدأ البراعم الأولى بالنمو من الأغصان العارية، ثم تضيء آلاف البراعم الصغيرة، كآلاف الشموع الخضراء، متألقة في ضوء الشمس، مرحبة بأسراب الزرزور، الشاما أسود الردف، الشاما أسود الردف... عائدة. في يوم مشمس من أواخر مارس، تنظر إلى الأعلى، فترى أزهار القطن الحمراء الزاهية كشعلات عملاقة تحترق في السماء الزرقاء.
لا يزال جوّ الناس الصاخب حول المتجر الصغير يُغطي ظلال الأرز، فتتمايل أوراق الشجر، وتبتسم الأزهار. وخاصةً في موسم الزهور، يخرج الأولاد للعب بالبلي، وتلعب الفتيات لعبة القفز على المربعات على الأرض حيث تقشرت الطوب الأحمر.
سئموا اللعب، فاستلقوا، ورؤوسهم على العشب الأخضر بجانب الشجرة، وشاهدوا بتلات الزهور تتساقط وتدور في الريح. سقطت الزهور، لكن البتلات السميكة ظلت حمراء زاهية كما لو كانت ممتلئة بالماء، وشعروا بثقلها في أيديهم بسبب الكأس الأخضر السميك.
جمعنا الكثير من الزهور وربطناها في سلاسل، وتناوبنا على حملها أمام بعضنا البعض بينما ركض باقي أفراد الأسرة حول القاعدة، وكانت خدودنا حمراء ومتعرقة حتى حلول الغسق، وامتزجت ظلال الأطفال مع الشفق الأرجواني، ثم تفرقنا.
لم يستطع أي طفل تسلق شجرة الكابوك هذه لأن جذعها كان ضخمًا جدًا بحيث لا يمكن احتضانه ويمتد إلى السماء. وحدهم الكبار قادرون على التغلب على ارتفاعها وإيجاد فرع منها، ووضع لوح سميك مربوط بحبل من جلد الجاموس فوقه، واستخدامه كـ"مكبر صوت". أحيانًا كان زعيم القرية، وأحيانًا رئيس الميليشيا، وأحيانًا المسؤول عن فصل التعليم الشعبي... يحمل مكبر صوت من الصفيح، ويبدأ بصوت يتردد صداه في جميع أنحاء التلال: "لوا... مكبر صوت... مكبر صوت..."، ثم يبث معلومات عن الوضع التجاري للقرية، مثل موسم الحصاد، وزيادة فرص العمل مقابل العمل، أو خلال موسم الفيضانات، معلومات عن الطقس، وما إذا كان سيهطل المطر أم سيكون جافًا.
من شجرة الأرز هذه، أُرسلت نشرات عديدة تدعو الشباب للانضمام إلى الجيش. وكان قائد ميليشيا حرب العصابات يُعلن أخبارًا كثيرة عن فترة تدريب الفريق، مُذكّرًا كل بيت بالأمن والنظام، وتجنب سرقة الدجاج والخنازير.
كان أخي الأكبر يستخدم حبلًا مربوطًا بكاحليه كـ"مساعد تسلق" ليصعد، ويجلس منتصبًا على اللوح الخشبي عند الشوكة ويبث نشرة التعليم الجماعي، داعيًا كل من كان أميًا إلى الذهاب إلى المدرسة ليتعلم القراءة والكتابة بطلاقة، أو أحيانًا يغير مكان الدراسة من منزل السيد كاي إلى منزل السيدة مو؛ كان الفصل من الظهر إلى المساء... تبعته إلى مدرسة التعليم الجماعي، لذلك بعد القليل من التعلم، "قفزت" مباشرة إلى الصف الأول في مدرسة القرية.
وزاد شعوري بالوطن مع مرور السنين، ومع الزهور الحمراء. كان الريف جميلاً وهادئاً، لكن منظر الريف البائس، وهو ينظر إلى زهور القطن، جعلني أشعر بالقلق من مجاعة موسم العجاف - 8 مارس. قالت أمي إن أرز المحصول السابق كان أقل بكثير بنهاية يناير، وكان أكثر ما أرعبني هو صوت "الصرير" المخيف والثاقب لعلبة الحليب وهي تصطدم بجانب الجرة عند كشط الأرز للطهي. نفدت كمية الأرز، لكن أكل الكسافا طوال الوقت جعلني أشعر بالجوع، فالجميع كان يشتهي الأرز.
مع ستة أشقاء، كان همّ الطعام واللباس يثقل كاهل والديّ. عندما فكرتُ في زهرة الكابوك، ظللتُ أتساءل: لماذا تحمل هذه الزهرة اسم الطعام الرئيسي للشعب الفيتنامي؟ لماذا تزهر في موسم العجاف؟ دعها تزهر في موسم آخر لتخفيف الألم...
ولكن ربما يكون لاسم الأرز أيضًا معنى خفي، فعندما تسقط زهرة القطن وتذبل، تتشكل ثمرة الأرز وتنمو وتبقى على الشجرة حتى تنضج وتزهر في كرة قطنية بيضاء رقيقة، تمامًا مثل وعاء من الأرز الأبيض العطري، معبرة عن حلم المزارع بحياة مزدهرة، لذلك سميت الشجرة "أرز"؟
لكن لكل منطقة اسم مختلف للزهرة، يرتبط بأسطورتها الخاصة. فالمنطقة الجبلية الشمالية تُطلق على زهرة الكابوك اسم "موك مين"، بينما تُطلق عليها المرتفعات الوسطى اسم "بو-لانغ".
في فبراير 1979، منذ بداية حرب الحدود الشمالية، اتبعت الجيش لكتابة مقالات في منطقة كاو لوك، لانغ سون ، أنظر إلى أزهار القطن الممزقة في منطقة الحدود، الممزوجة برائحة دخان البارود، كان قلبي يؤلمني، ولكن بعد بضعة أشهر، عدت، ورفعت يدي إلى حاجبي، وشاهدت آلاف أزهار القطن البيضاء تحلق عبر سماء الحدود وشعرت بالإثارة، عندما رأيت الأشخاص العرقيين يأخذون الزهور لصنع البطانيات والمراتب، تذكرت دائمًا الأيام القديمة عندما جمعت أنا وأصدقائي كل زهرة قطن، وقطفت المزيد من أزهار القصب لصنع الوسائد، من أجل نوم جيد في الليل، ورعاية حلم السفر هنا وهناك لتلبية رغبة الرجل.
في اليوم الذي وصلتُ فيه إلى قرية برواي بمقاطعة داك لاك ، حيث كانت تنتشر آلاف أزهار "بو-لانغ"، سمعتُ شيخ القرية يروي قصة الزهرة، فتذكرتُ شجرة الكابوك النادرة والوحيدة في حيّي؛ رأيتُ الأطفال هنا يُغنّون "أنا زهرة بو-لانغ"، يربطون الأزهار في تيجان عديدة، وتذكرتُ الوقت الذي كنتُ أستلقي فيه على العشب طوال اليوم، أنتظر كل زهرة كابوك تتساقط، وأتنافس على جمعها حتى أتمكن من تشكيل باقة؛ تذكرتُ أغنية الإخوة والأخوات الأكبر سنًا المازح: "أنتم كأزهار الكابوك على الشجرة/ جسدي كالبرسيم على جانب الطريق/ أدعو الله أن يُنزل الريح والندى/ تتساقط أزهار الكابوك، ويمرّ البرسيم".
دخلت أزهار الكابوك وأشجار القطن وأشجار بو-لانغ عالم الشعر. "غرس أحدهم أشجار قطن على الحدود/ أو عند الحدود، فوجد الشجر طريقه للنمو/ وظلت أزهاره الحمراء كالدم خدرة لآلاف السنين/ وتقف الشجرة شامخة خضراء كعلامة حدودية."
أصبحت الشجرة رمزًا لحرس الحدود. وأصبحت شعبية شجرة "بولانغ" رمزًا للمرتفعات الوسطى، لذا يُصرّ القرويون على الاحتفاظ بها عند إزالة الغابات لإفساح المجال للحقول. الشجرة الوحيدة الشامخة، التي تقف تحت الشمس والندى في بداية قريتي، في كل شهر مارس، تضيء حمراء كشعلة في سماء زرقاء، وأصبح الأرز "ملاحًا" يُرشدني إلى البعيدين عن الوطن، حتى لا يضلوا طريقهم... الزهور، مهما اختلفت أسماؤها، لها قيم ثابتة.
في ربيع هذا العام، أثناء عودتي إلى مسقط رأسي، تاهتُ في فضاءٍ فارغ، أشعر بالوحدة والفراغ الداخلي، لأن الشجرة قد "انتهت". عندما يشيخ المرء، لا بدّ أن يعود إلى العالم الأبدي. لكن الشجرة أصبحت "شجرة إرث" في داخلي، وأشعلت فيّ ذكرياتٍ حنينيةً كثيرةً من طفولتي...
بجوار شجرة الكابوك القديمة، يقع بيت الثقافة في القرية، فخطرت لي فكرة فجأة، وقلتها لابن أخي، عاشق البونساي: لمَ لا تزرع شجرة كابوك بونساي، وتثنيها على شكل "خمس بركات" أو "ثلاث بركات"، وتتبرع بها للبيت الثقافي؟ ستساهم الصورة الأولية للشجرة في إحياء شجرة الكابوك في قرية جيو، ليتمكن شباب اليوم من تخيل شجرة الكابوك القديمة بسهولة، ويخففوا من ندم أمثالي عليها.
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)