قرية تراي ترانج، التي كانت سابقًا جزءًا من بلدة ين مي، مقاطعة ين مي، أصبحت الآن جزءًا من بلدية ين مي، مقاطعة هونغ ين . تقع هذه القرية بسلام على ضفاف نهر نغيا ترو، متدفقًا بصمت خلال مواسم حصاد الأرز العديدة، وقد حُفرت هذه الأرض بعمق في أذهان القرويين ومن زاروها لأجيال بفضل صوت طاحونة الأرز المألوف الذي يُصدر هديرًا كل صباح ومساء.
كان هذا المكان مهد مهنة طحن الأرز التقليدية، مهنة لا تقتصر على كسب الرزق فحسب، بل تشمل أيضًا عرقًا وجهدًا وفخرًا لسكان حقول الأرز. الأيدي القاسية والأكتاف الثقيلة التي تحمل الأرز تدير العجلة بصبر كل يوم، تذري كل دفعة من الأرز، وتنتقي بعناية كل حبة بيضاء نقية كما لو كانت تجمع جوهر السماء والأرض لتخلق نكهة فريدة لريف هونغ ين.
على مرّ فصول السنة الممطرة والمشمسة، وتقلبات الزمن، شهدت قرية الحرف اليدوية تطورًا مستمرًا. لا تزال تراي ترانج اليوم تحتفظ بروح الحرفة القديمة، لكنها ارتدت ثوبًا جديدًا، أكثر حيوية وتنوعًا، مع تطور قوي للعديد من الصناعات والخدمات. تُشيّد المباني الشاهقة جنبًا إلى جنب، وتمتد الطرق الخرسانية تحت أشعة الشمس، مما يُثبت النمو المطرد لقرية غنية بالتقاليد ومليئة بالطموحات. لا يعيش سكان تراي ترانج اليوم في رخاء فحسب، بل يعيشون أيضًا في رخاء، ويواصلون بفخر كتابة صفحة جديدة في تاريخ قرية الحرف اليدوية الشهيرة سابقًا.
قبل أكثر من أربعين عامًا، كانت والدتي امرأة مجتهدة، تحمل جميع أفراد الأسرة في صمت على كتفيها النحيفتين وعصا الحمل البالية. كانت والدتي تحمل الأرز على ظهرها كل صباح عبر عدد لا يحصى من طرق القرية وأزقتها وفي جميع أنحاء الريف في المقاطعة لجمع الأرز للمعالجة. وعندما جاء الصيف، كالمعتاد، تبعت أنا وإخوتي الثلاثة والدتي عبر الحقول الحارقة والقرى القريبة والبعيدة، وجمعنا الأرز من كل منزل لملء حقائبنا وسلالنا. وُلدت أنا وإخوتي في قرية حرفية، وسرعان ما تعلمنا عن المشقة والعمل الشاق، ولكن أيضًا حب مهنة طحن الأرز، التي أطعمت أجيالًا عديدة في قرية تراي ترانج. كان والدي محاضرًا في الكلية التربوية في ذلك الوقت، وكان يعود إلى المنزل بالدراجة مرة واحدة في الأسبوع. لم يكن راتبه الضئيل كافيًا لإطعام وتعليم ثلاثة أطفال، لذلك وقع عبء الطعام والملابس بشكل كبير على عاتق والدتي.
منذ صغرنا، اعتدنا على الأصوات المألوفة: حفيف التذرية، وصوت طاحونة الأرز المتردد، وصوت دقّ مدقة الأرز في أرجاء القرية كل عصر. في أيام الإجازة المدرسية، كنا نحن الثلاثة نتبع أمنا، إحدانا ترتدي قبعة مخروطية، والأخرى تحمل عمود كتف صغير، ونسير خلف عمودَي الكتف الثقيلين. كان طريق القرية مشرقًا بأشعة الشمس، وكانت ظلالنا أنا وأمي طويلة على الأرض تتلألأ بالذهب، صورة ريفية لا تزال محفورة بعمق في ذاكرتنا. بعد ساعات الدراسة، كنت أنا وإخوتي منشغلين بمساعدة أمنا. أحدهم يحمل الأرز، والآخر يذريه، ثم نطحن معًا كل دفعة من الأرز الأبيض النقي، عطرًا كرائحة ضوء الشمس الجديد. في كل مرة يبدأ فيها موسم الحصاد، كانت قرية تراي ترانج تعجّ بالنشاط كأغنية محلية - صوت الناس يحملون الأرز على أعمدة أكتافهم على عجل، وصوت طحن الطاحونة المستمر في فناء كل منزل. في كل صباح باكر، كان جانبي الطريق الرئيسي، الطريق القديم 39A الذي يمر عبر قريتي، يعجّان بالناس الذين يحملون الأرز إلى السوق. يُسمى "سوقًا جانبيًا"، ولكنه في الواقع سوق القرية الحرفية بأكملها، حيث يُنخل الأرز الأبيض بنظافة ودقة، ويُغلّف بعناية، ويُعرض على جانب الطريق، تحت ظلال الأشجار، أمام بوابة منزل الجماعة القديمة، المُغطاة بالطحالب والمقدسة. لا يستمر السوق سوى ساعتين، تكفي فقط ليأتي التجار المألوفون، ويختاروا كل كيس من الأرز الجيد، ثم يُحمّلونه بسرعة في شاحنات تجوب المحافظات ذهابًا وإيابًا. لطالما ارتبطت هذه التجارة بقريتي لأجيال. لا يُمكنها الثراء بسرعة، لكنها غذّت أجيالًا عديدة، بفضل اجتهاد أطفال أرض لونغان وعملهم الجاد. في كل حبة أرز أبيض، هناك عرق وشمس وريح، وأيدي الأم القاسية، هادئة لكنها مثابرة كروح الوطن. في الأيام الممطرة، يكون طريق القرية موحلًا، وتنحني الأحمال الثقيلة، وتنزلق أحيانًا، وتغطى الأم وطفلها بالطين. ومع ذلك، لا يزال هناك ضحك، وصوت الأم المشجع: "لا بأس يا بني، ما دام هناك أرز، فلا يزال بإمكاننا القلق بشأن الطعام". من تلك الأيام الصعبة نشأنا، ليس فقط مع الأرز الذي كانت تطبخه أمنا، بل أيضًا مع حبها وعزيمتها في كل خطوة صامتة على طريق القرية ذلك العام. في ليالي الصيف الحارة، كنا نتناوب أنا وإخوتي على الوقوف بجانب الطاحونة، ممسكين بطرفي عمودها بإحكام، وندفعهما معًا في دوران مستمر. كان صدى صوت الطاحونة وصوت سقوط الأرز يتردد على الشرفة. كانت والدتي تنخل كل دفعة من الأرز بعناية، ثم تطحنها حتى تصبح حبات أرز بيضاء نقية لبيعها لكبرى الشركات في القرية، بينما كانت النخالة تُستخدم لإطعام الخنازير. ربت عائلتي من ثلاثة إلى خمسة خنازير في كل دفعة، مما وفر لنا مصدر دخل إضافيًا. لم يتم هدر قشور الأرز، بل تم جمعها كوقود للطبخ وطهي نخالة الخنزير، وإذا كانت كثيرة، تم تعبئتها في أكياس وبيعها.
لاحقًا، استثمرت بعض أسر القرية في مطاحن الأرز التي تعمل بالنفط، مما ساهم في تخفيف أعباء العمل على تجار الأرز. لكن كان لا يزال يتعين حمل الأرز إلى المنازل على أعمدة تحمل على الكتف، وتدريجيًا، اخترع الناس الدراجات الهوائية ذات العجلتين العاليتين القادرتين على حمل حقائب كبيرة. وبفضل ذلك، أصبح العمل أسهل بعض الشيء.
قرية تراي ترانج الآن مختلفة تمامًا عن الماضي. بأكثر من تسعة آلاف نسمة، ونحو ألفين وستمائة أسرة، منها ما يقرب من مئة أسرة لا تزال تمارس المهنة القديمة، طحن الأرز، أو كما يُطلق عليها القرويون الآن اسمًا جديدًا: الزراعة وتجهيز الأغذية. وقد اكتسبت مهنة بيع الأرز، التي كانت شاقة في الماضي، مظهرًا أكثر حداثة. فقد حلت الشاحنات وشاحنات الحاويات محل حمولات الأرز الثقيلة التي كانت تُحمل في الماضي، والتي تنقل الأرز إلى جميع أنحاء البلاد، وتصل إلى السوق العالمية. لم تعد قريتي مجرد طاحونة أرز بسيطة، بل أصبحت تضم أيضًا مصانع وخطوط إنتاج وتقنيات متطورة، وكأنها حلم تحقق بين منازلها ذات الأسقف الحمراء المألوفة.
***
الآن، أعمل بعيدًا عن المنزل، ولا أستطيع العودة إليه إلا في عطلات نهاية الأسبوع. في كل مرة أعود فيها، أرى قريتي تتغير يومًا بعد يوم، أبراجًا شاهقة ترتفع جنبًا إلى جنب، وأهلها ينعمون برخاء أعمالهم، بل إن بعضهم أصبح رؤساء أو مالكي شركات كبيرة. لكن في كل هذه التغيرات، أحب أكثر اللحظات الهادئة التي أجلس فيها بجانب والديّ، نحتسي الشاي، مستمعًا إلى صوت آلة طحن الأرز وهي تهدر في مكان ما، صوت مألوف يُشبه أنفاس الريف. أحيانًا، أحب أن أتجول في القرية، أستنشق بعمق رائحة الأرز الطازج. لقد تغيرت المهنة القديمة، وتغير العاملون فيها أيضًا. لكن روح القرية لا تزال سليمة، كأمي التي تعمل بجد من الفجر إلى الغسق لتُزرع بعناية كل حبة أرز أبيض نقي. وأُدرك أنه مهما ابتعدت، ومهما مر الزمن، فإن هذه المهنة، روح وطني، ستبقى خالدة، كنبعٍ جوفي لا ينضب في نفوس أطفال قرية تراي ترانج.
الحكمة والشجاعة
المصدر: https://baohungyen.vn/huong-gao-trai-trang-3182669.html
تعليق (0)