في العصر الرقمي، يُحدث الذكاء الاصطناعي تغييرًا جذريًا في صناعة الصحافة، بدءًا من الإنتاج والتلخيص وصولًا إلى توزيع المحتوى. حاليًا، لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على دعم المراسلين والمحررين والفنيين وغيرهم، بل يُعيد أيضًا صياغة طريقة وصول القراء إلى المعلومات وتفاعلهم معها.
غيّر نهجك
في الماضي، ارتبطت الصحافة بصورة المراسلين الذين يحملون دفاترهم، ويسجلون المقابلات، ويقضون ساعات في التحرير والبحث وإتقان المحتوى. إلا أن التطور السريع للذكاء الاصطناعي غيّر هذه العملية تمامًا. إذ تدعم أدوات مثل ChatGPT وGemini وClaude وCopilot الصحفيين في اقتراح المواضيع، وإعداد المسودات الأولية، وتحرير اللغة، وتحليل البيانات الضخمة بسرعة وفعالية.
يستخدم الصحفيون الذكاء الاصطناعي لخدمة عملهم الصحفي. الصورة: LE TINH
في فيتنام، تُعدّ صحيفة نجوي لاو دونغ من روّاد تشجيع الابتكار وتطبيق التكنولوجيا في العمل الصحفي. في عام ٢٠٢٤، وهو العام الذي شهد انطلاق الذكاء الاصطناعي عالميًا، أطلقت الصحيفة عمود AI365 مع مُقدّم برامج افتراضي، مُظهرةً بذلك توجهها التكنولوجي ورؤيتها الثاقبة للتحول الرقمي.
ولم تتوقف الصحيفة عند تطبيق التكنولوجيا، بل نظمت خلال عامي 2024-2025 سلسلة من الدورات التدريبية والندوات الداخلية حول الذكاء الاصطناعي في مجال الصحافة للمراسلين والمحررين والفنيين وغيرهم. ولا تقتصر هذه البرامج على تحسين الجودة المهنية فحسب، بل تساهم أيضًا في نشر روح الابتكار وتطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في بيئة الصحافة الحديثة.
من أبرز مميزات برامج التدريب في صحيفة نجوي لاو دونغ الانضباط والقدرة العالية على التطبيق العملي. وفي حديثه خلال دورة تدريب الذكاء الاصطناعي التي نظمتها الصحيفة في أبريل 2025، قال الصحفي لي كاو كوونغ، نائب رئيس تحرير الصحيفة: "بعد الدورة التدريبية المتقدمة، يجب على كل مراسل ومحرر... استخدام أداتين أو ثلاث أدوات ذكاء اصطناعي متخصصة بكفاءة وانتظام، وذلك حسب طبيعة عمل كل شخص؛ وستُعتبر عملية تطبيق الذكاء الاصطناعي في العمل اليومي معيارًا مهمًا في تقييم القدرات الفردية".
حاليًا، تُطبّق صحيفة نجوي لاو دونغ مجموعة متنوعة من أدوات الذكاء الاصطناعي في العملية الصحفية، بدءًا من التحرير، وتلخيص النصوص، وتوحيد محتوى تحسين محركات البحث (SEO)، وصولًا إلى إنتاج مقاطع فيديو إخبارية بأصوات افتراضية ومحررين آليين. كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات، وتحديد الاتجاهات، والتنبؤ بسلوك القارئ. إضافةً إلى ذلك، دمجت أخبار البودكاست الذكاء الاصطناعي في القراءة ومعالجة الصوت. والجدير بالذكر أن بعض المقالات قد استُخدمت فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يُظهر التزام هيئة التحرير بالابتكار ومواكبة التكنولوجيا في العصر الرقمي.
على الصعيد الدولي، سارعت العديد من غرف الأخبار الكبرى إلى دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها. على سبيل المثال، استخدمت صحيفة واشنطن بوست نظام هيليوغراف لإنشاء تقارير إخبارية قصيرة ودقيقة آنيًا. وطوّرت رويترز أداة لينكس إنسايت لتحليل البيانات واقتراح أفكار للمقالات، مما يساعد الصحفيين على توفير الوقت في عملية البحث.
تعتقد السيدة فام كوين آنه (المقيمة في مدينة هو تشي منه)، وهي قارئة شابة، أن التطبيق الجريء لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار قد ساهم في إضفاء طابع جديد على الصحافة الحديثة. وقالت: "أرى أن غرف الأخبار، بما في ذلك صحيفة نغوي لاو دونغ، تستخدم مقدمي البرامج الافتراضيين لتقديم الأخبار باحترافية، مع رسومات توضيحية أكثر حيوية بتقنية الذكاء الاصطناعي، إلى جانب رسومات ومخططات حديثة وسهلة الاستخدام تجعل المعلومات أسهل فهمًا وأكثر جاذبية. تلبي هذه الابتكارات بوضوح حاجة القراء إلى الوصول السريع والمتعدد الأشكال إلى المعلومات".
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على تجميع المعلومات وتوفيرها بسرعة، إلا أن السيدة كوين آنه لا تزال تختار قراءة الصحف الرئيسية كقناة معلوماتية ذات أولوية. وحسب رأيها، تكمن القيم الجوهرية والمميزة للصحافة في التحقق الدقيق، والقدرة التحليلية، والمسؤولية الاجتماعية، وهي عوامل لا يضمنها إلا فريق من الصحفيين المحترفين.
اتجاه لا مفر منه
وتظهر الأمثلة المذكورة أعلاه أن الذكاء الاصطناعي اليوم لا يلعب دور الأداة التقنية فحسب، بل أصبح اتجاهاً لا مفر منه في استراتيجية تطوير المحتوى والتنظيم التشغيلي لغرف الأخبار الحديثة.
وفقًا للدكتور لونغ دونغ سون، المحاضر في معهد الصحافة والاتصال (أكاديمية الصحافة والاتصال)، علينا أن نعترف صراحةً بأن الذكاء الاصطناعي يضع صناعة الصحافة أمام نقطة تحول في إعادة تشكيلها. هذا التأثير ذو جانبين، فرصة وتحدي كبير في آن واحد.
من الناحية الإيجابية، يُعدّ الذكاء الاصطناعي مساعدًا قويًا إذا أتقنّاه. فهو قادر على تحرير الصحفيين من المهام الميكانيكية التي تستغرق وقتًا طويلًا، مثل: تسجيل الأشرطة، وتوليف المعلومات الخام... ليتمكنوا من التركيز على أهمّ جانب من عملهم: التفكير النقدي، والتحقيق المعمق، وتأليف قصص ذات قيمة إنسانية.
بفضل قدرته على تحليل البيانات الضخمة، يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة لصحافة البيانات، مما يُمكّن الصحافة من استكشاف قصصٍ كبرى مُخبأة وراء أرقام يصعب على البشر استيعابها. ومع ذلك، فإن التحديات حقيقيةٌ أيضًا. إذ يُمكن إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج أخبارٍ مُضللةٍ على مستوىً مُعقد، مما يُهدد مباشرةً نقاءَ الفضاء الإعلامي. ومن منظورٍ داخلي، يُمكن أن يُؤدي الاعتماد المُفرط على الذكاء الاصطناعي إلى خطر "تآكل القلم"، مما يُضعف قدرة الصحفيين على التفكير المُستقل والهوية الإبداعية.
لذا، فإن المفتاح هو أن يظل الذكاء الاصطناعي أداةً دائمًا، وأن يكون ذكاء الصحفيين وشجاعتهم وأخلاقهم هي السائدة. علينا أن نستغل قوته لتحسين جودة الصحافة، لا أن نسمح له بالحلول محل القيم الأساسية للمهنة أو إضعافها، كما قال السيد سون.
إلى جانب ذلك، صرّح السيد لي هونغ دوك، مؤسس شركة OneAds الرقمية المحدودة، بأنّ الذكاء الاصطناعي يُمكّن قطاع الصحافة بشكل كبير من خلال "وكلاء الذكاء الاصطناعي للصحافة". ويمكن لأدوات مثل OpenAI Deep Research أو أنظمة مشابهة من جوجل أتمتة عملية جمع البيانات، وكتابة المسودة الأولى، والتحقق من المعلومات، مما يُساعد الصحفيين على التركيز بشكل أكبر على المحتوى الاستقصائي المتعمق والتحليل السياقي.
يُساعد الذكاء الاصطناعي غرف الأخبار الصغيرة أو التي تعاني من نقص الموارد على الوصول إلى أساليب عمل متقدمة كانت شبه مستحيلة في السابق: البحث المتعمق، والمراقبة المستمرة، وتحليل البيانات المعقدة، وإنتاج منتجات صحفية رقمية عالية الجودة. وإذا طُبّق بمهارة وذكاء، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحسّن جودة الصحافة بشكل كبير، كما قال السيد دوك.
وفقًا للخبراء، يُشكّل التطور السريع للذكاء الاصطناعي مطلبًا مُلِحًّا للصحفيين: تحسين مهاراتهم التكنولوجية والمهنية باستمرار، والتحكم في المعلومات واختيارها من بين "غابة" البيانات التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي. والأهم من ذلك، على الصحفيين الحفاظ على مسؤوليتهم المهنية، وتقديم المعلومات للقراء بسرعة ودقة ومسؤولية وإنسانية. وهذا أيضًا هو المعيار الذي سعت إليه صحيفة نجوي لاو دونغ بإصرار لسنوات عديدة.
مهارة الصحافة
قال السيد هوانغ داو، رئيس نظام الابتكار في فيتنام، إن الذكاء الاصطناعي يُتيح فرصًا جديدة عديدة، ولكنه يُواجه أيضًا تحدياتٍ كثيرة في قطاع الصحافة. حاليًا، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعد بسرعة وفعالية كبيرتين في اختيار المواضيع، والبحث عن البيانات، أو اقتراح المحتوى، مما يُساعد على تحسين أعباء العمل. ومع ذلك، فإن الإفراط في الاعتماد على هذه الأداة يُؤدي إلى فقدان الصحفيين للتفكير النقدي، وفقدان قدرتهم على رصد الواقع، والأخطر من ذلك، افتقارهم إلى أساس معرفي.
التقيتُ ببعض الشباب الذين يكتبون بسرعة فائقة بفضل الذكاء الاصطناعي، ولكن عند سؤالهم بعمق، لم يفهموا السياق ولم تكن لديهم آراء واضحة. أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُعتبر مهارة داعمة للصحافة. أولئك الذين يستطيعون استخدام التكنولوجيا مع الحفاظ على منظورهم الخاص، مع معرفة كيفية الاختيار والكتابة بأفكارهم الخاصة، هم صحفيون بحق في العصر الجديد، كما قال السيد داو.
المصدر: https://nld.com.vn/ai-con-dao-hai-luoi-196250724204720805.htm
تعليق (0)