يُذكرني الرذاذ دائمًا بشعور الأيام الأخيرة من العام. في البرد القارس، كانت يداي متورمتين من قضمة الصقيع، لكن أمي كانت لا تزال حافية القدمين في حقل الأرز الجاف والمتشقق، وبقايا القش العارية تشق قدميها حتى نزفت. كان التفكير في هذا أمرًا محزنًا للغاية!
ظل المطر يزداد كثافة، فغطى الشوارع، والمباني العالية، وتحت الأشجار... (صورة توضيحية من الإنترنت).
استمر المطر يتساقط بغزارة من المظلة القديمة لمقهى صغير في نهاية شارع مألوف. رأيتُ المظلة وقد تآكلت إلى أخاديد صغيرة، وكأنها تروي قصة الزمن، وكأنها تثبت أن كل شيء سيتحول في النهاية إلى لا شيء، إلى حنين، إلى ذكريات...
ربما تبقى الروح فقط، ويبقى الحب، ويتبع الحزن والسعادة بعضهما البعض في الوجود.
... ازداد المطر غزارةً، غطّى الشوارع، والمباني الشاهقة، وتحت الأشجار، ثم امتزج بسيل الناس المتسارعين جيئةً وذهاباً كضباب أبيض يحجبه. جعل المطر العصافير في العشّ تكسل، مانعةً إياها من القفز والتغريد كعادتها. ربما كانوا يُدفئون أطفالهم، وأزواجهم، بحزن مطر الشتاء!
أتذكر عندما كنت في المنزل، في كل مرة كانت السماء تُمطر فيها بضع قطرات من المطر دون أن تُبلل ملابسي على القرية الصغيرة هكذا في البرد الأرجواني لنهاية العام، كانت والدتي تُسميها رذاذًا. كان الرذاذ يتكثف تدريجيًا إلى قطرات على الأوراق، ويتجمع الرذاذ على بلاط السقف وينتظر أن يتجمع الآخر، ويتساقط كقطرات القهوة البطيئة في هذه اللحظة. كان الرذاذ يحمل رائحة بكاء غامض، ممزوجًا بلمسة من الوحدة... لا أستطيع وصف ذلك الشعور، لقد كان محددًا جدًا عندما كنت في السادسة أو السابعة من عمري، ولكن الآن وقد زاد الحزن، بوضوح في داخلي في كل مرة أستغرق فيها في رحلة الشباب وأتوقف فجأة وأفزع عندما أواجه رذاذًا في منتصف شارع الشتاء.
يُذكرني الرذاذ دائمًا بشعور الأيام الأخيرة من العام. في البرد القارس، كانت يداي متورمتين من قضمة الصقيع، لكن أمي كانت لا تزال حافية القدمين في حقل الأرز الجاف والمتشقق، وبقايا القش العارية تشق قدميها حتى نزفت. كان التفكير في هذا أمرًا محزنًا للغاية!
مشاعر مثل المصدر تتساقط ببطء على أصابعي النحيفة، انغمست في برد الشتاء... (صورة توضيحية من الإنترنت).
الشارع الآن يمطر رذاذًا، ولعل هذا ما جعل كل حرف من هذه الحروف يظهر بجهد تحت لوحة مفاتيح الكمبيوتر المحمول الذي لم يعد طازجًا. المشاعر كنبع ماء، تتساقط ببطء على أصابعي النحيلة، وأنا غارق في برد الشتاء. هذا البرد الممزوج بالمطر الخفيف يجعل كل شيء يعود سريعًا، إنه حزنٌ مُوحش لشخص بعيد عن وطنه، يحتضن أحلامًا كثيرة بأرض بعيدة، ويواجه فجأةً عصرًا شاسعًا مُخدرًا في أواخر العام. المدينة شاسعة، شاسعة كشعر امرأة وحيدة تجاوزت الثلاثين من عمرها، تحن إلى ماضيها.
أفتقده كثيرًا، أفتقد شعور آخر ظهيرة في العام، كم مرة وقفتُ أمام الفناء أنتظر خطوات أمي تعود إلى المنزل، وشعرها مغطى بالمطر، كذرات الغبار التي تجعل المزيد من خصلات شعرها تشيب، كذرات الغبار التي تجرح زقاق طفولتي الصغير. أحيانًا أعلم أن الماضي قد مضى ولا يمكن استعادته، لكن أحيانًا أدعو نفسي للعودة إلى تلك الذكرى لأرى أن روحي لا يزال لديها مكان تتكئ عليه. أشعر فجأة بالثراء، أشعر أنني مررت بذكريات هادئة كهذه، وأن الأصل سيبقى هنا إلى الأبد، حيث لا يزال القلب النابض يسكن ويعيش.
الحزن الذي تسببه لي والدتي سلمي للغاية لدرجة أنني لا أجرؤ على لمسه بعمق خوفًا من أن أبكي، خوفًا من الشعور بالذنب تجاه رذاذ هش وحنين... (صورة: صحيفة كوانج نجاي )
كان منزل جدتي على بُعد حقل واحد فقط من منزلي. كان الطريق الوحيد للعودة بين قريتي وبحيرة تشينه آنذاك طريقًا ترابيًا صغيرًا متعرجًا. لم تكن والدتي تجيد ركوب الدراجة، لذا كان هذا الطريق الصغير أقصر طريق مختصر لها للعودة إلى مسقط رأسها. كانت هناك أوقات ركضت فيها طوال الطريق إلى جسر كونغ عند مدخل القرية، واقفًا تحت الرذاذ منتظرًا عودة والدتي. امتزج جسد والدتي النحيل مع المطر المتزايد الكثافة. أمام عينيّ كان لون أبيض شاسع وغامض للحقول التي بدأت تتساقط، وللطريق الصغير الذي يربط بين المدينتين البعيدتين، ولسقف فان تشي الكئيب والمخفي. كان جسد والدتي بعيدًا كنقطة صغيرة تلوح في الأفق. تجرأت على تجربة قمصان جديدة وسراويل جميلة بعد ظهر الثلاثين. كان الفقر في بيت أمي مسالمًا للغاية، وكان الحزن الذي سببته لي مسالمًا للغاية لدرجة أنني لم أجرؤ على لمسه بعمق خوفًا من البكاء، خوفًا من الشعور بالذنب تجاه رذاذ هش وحنين...
وعلى الجانب الآخر من الشارع، كان بائع متجول يرتدي بدلة واقية لا يزال يحمل بجد سلة من الفاكهة والبرتقال والجوافة والجريب فروت... بدا الأمر وكأنه وقت متأخر من الليل، لكن السلة كانت لا تزال ممتلئة.
كان الشارع يعج بالمركبات، والوجوه المألوفة والغريبة مختلطة تحت المطر، والمطر مثل جزيئات الغبار التي تتدفق إلى عيني في وقت متأخر من بعد الظهر في المدينة.
لي نهي
مصدر
تعليق (0)