عندما رفعت سماعة الهاتف، قفزتُ من مكاني. أظهرت الشاشة الساطعة ١٨، ١٨ مكالمة فائتة. خفق قلبي بشدة. غمرني شعورٌ سيء. جميع المكالمات كانت من نفس الرقم، رقم زوجتي. ضغطتُ على زر إعادة الاتصال فورًا. رنّ الهاتف مرة واحدة، ثم ردّ الطرف الآخر.
صورة توضيحية. |
ارتفع صوت زوجتي مختنقًا ومكسورًا، غير قادر على النطق إلا بكلمة واحدة، وكأنها تصرخ في أذني:
- أنجب!
كنتُ مرعوبًا. كيف يُمكن أن يكون الأمر بهذه السرعة؟ بالأمس فقط، أخذتُ زوجتي إلى الطبيب، وقال الطبيب إن عمر الجنين هو 36 أسبوعًا فقط، أي ما يقارب أربعة أسابيع حتى موعد الولادة. مستشفى خاص، بمعدات حديثة، والطبيب خبيرٌ بارز، فهل يُمكن أن يكون الأمر خاطئًا؟ أم أن طفلي لم يُرِد انتظار اليوم والشهر المُناسب، بل قرر أن يأتي إلى هذا العالم بطريقته الخاصة؟
لم يكن لديّ وقتٌ لتغيير ملابسي، فارتديتُ زيّ كرة القدم، وانطلقتُ مسرعًا نحو المستشفى. كانت السماءُ مُظلمةً بعد يومٍ حافلٍ بأشعة الشمس. ألقت أضواء الشوارع ضوءًا أصفر على البرك المتبقية من مطر ما بعد الظهر. كان قلبي ينبضُ كطبلٍ في ملعب كرة القدم، إلا أن هذه المرة لم يكن لهدفٍ، بل لولادةٍ، مباراةٍ بلا مدربٍ، بلا جمهور، بل لأكبر وأهمّ مباراةٍ في حياتي كأب. عندما وصلتُ إلى هناك، هرعتُ إلى غرفة الولادة. كانت زوجتي مُلقاةً هناك، وجهها شاحبٌ وعيناها مُنتفختان بالدموع.
- ما هي كرة القدم التي تلعبها حتى وصلت في هذه الساعة؟
اختنق صوت زوجتي، ممزوجًا بالحزن والألم. بجانبها، بادرتها أختها، التي أنجبت ثلاث مرات، بالحديث مطمئنةً إياها:
- لم يفت الأوان بعد، لن تلدي مباشرةً. اهدئي، لا تقلقي.
عبست زوجتي، وقبضت بيديها على ملاءة السرير بين الحين والآخر مع اشتداد الألم. روت أنها أثناء تحضيرها العشاء، بدأت معدتها تؤلمها. أصابها الذعر، فلم تستطع إلا الاتصال بي، تنادي وتنادي، وتنادي بيأس، لكن لم يُجب أحد. ولما لم يكن أمامها خيار آخر، اضطرت زوجتي للاتصال بصديقة في نفس المبنى السكني، ثم تطلب من الطاقم الطبي في المبنى نقلها إلى غرفة الطوارئ.
ضغطتُ على يد زوجتي برفق. شعرتُ بلسعة حادة كالإبرة في صدري. شعورٌ بالذنب. لمجرد مباراة كرة قدم. لمجرد بضع ساعات من السعي وراء متعتي الشخصية، كدتُ أفوّت أقدس لحظة في حياتي، لحظة ولادة طفلي. بعد أكثر من ساعة من المراقبة المتواصلة، فحص الطبيب، وقاس المؤشرات، ثم نظر إلى الشاشة، وهز رأسه قليلاً وقال:
- يجب أن نجري عملية قيصرية. السائل الأمنيوسي لدينا يتناقص.
فجأةً، خيّم جوٌّ ثقيلٌ على الغرفة بسبب تلك الجملة القصيرة. ارتجفت زوجتي. مع أن الطبيب نصحها بإمكانية إجراء عملية قيصرية، إلا أنها لم تستطع إخفاء قلقها عند مواجهة عملية جراحية حقيقية. حاولتُ الحفاظ على هدوئي واتصلتُ بأمي فورًا. كانت ممرضة جراحة، متقاعدة منذ سنوات، لكنها ما زالت تتذكر أسماء جميع الأطباء الجيدين. بفضل تواصل أمي، وبعد دقائق قليلة، اخترنا طبيبًا جيدًا متخصصًا في التوليد. كانت غرفة العمليات جاهزة. نُقلت زوجتي على كرسي متحرك، مستلقية على نقالة، وجهها شاحب لكنها ما زالت تحاول النظر إليّ. تبعتها إلى باب غرفة العمليات، أمسكت بيدها بقوة وهمست:
- أنا هنا. الطبيب جيد. كل شيء على ما يرام.
أُغلق باب غرفة العمليات ببطء، مانعًا إياي من الخروج، وأفكارٌ لا تُحصى تدور في رأسي. جلستُ أنا وزوجتي صامتين على كراسي الانتظار. غطّت طبقة رقيقة من الغيوم سماء الليل تدريجيًا، ثم بدأ المطر يهطل بهدوء وثبات. طرقت أولى قطرات مطر الموسم على سطح المستشفى، وتردد صدى الصوت في قلبي كمقدمة للأمور المقدسة التي على وشك الحدوث. غمرني شعورٌ لا يُوصف، قلقٌ وأملٌ واختناقٌ عاطفي في آنٍ واحد. كررتُ لنفسي مرارًا: "من الجيد أن تمطر. السماء تُباركني. سيكون كل شيء على ما يُرام. سيكون كل شيء على ما يُرام."
كان الطابق الرابع بأكمله صامتًا. تناثر الضوء الأصفر على البلاط الأبيض، مُلقيًا بظلاله الطويلة على الممر. كانت عقارب الساعة لا تزال تدق، لكن كل دقيقة كانت تمضي ببطء، أطول من مباراة كرة قدم شاقة. نهضتُ، وجلستُ، ثم نهضتُ مجددًا. لم تفارق عيناي الباب في نهاية الممر، المكان الذي يفصلني عن حياتين تواجهان لحظة حياتهما الحاسمة.
ثم فُتح الباب. خرجت الممرضة، تحمل مولودًا جديدًا بين ذراعيها، تنادي بصوت عالٍ وهي تمشي:
- أين والدك؟
قفزتُ، وتوقف قلبي للحظة. اندفعتُ للأمام، ملتقطًا ذلك المخلوق الصغير الذي كان يتلوى برفق بين ذراعي الممرضة. جسدٌ صغيرٌ ورديّ، وعيناه لا تزالان مغمضتين، وفمٌ جميلٌ يرتجف كأنه يريد البكاء. ركلت يدان وقدمان صغيرتان الهواءَ بضعف، كما لو كانتا تبحثان عن أول سندٍ في حياته. ضممتُ طفلي إلى صدري. انهمرت دموعي دون أن أشعر، كسيلٍ دافئٍ يتدفق على خدي. في تلك اللحظة، أدركتُ: لقد أصبحتُ أبًا حقًا.
أُخذنا إلى غرفة رعاية ما بعد الولادة. وضعتُ طفلي برفق في مصباح التدفئة، كان جلده رقيقًا كالورق، وضوءه الأصفر الباهت يُغطي جسده بأولى دفء في حياته. أخذتُ حليب الثدي المُجهز، وأطعمته بحرص أول رشفة لتنظيف أمعائه. فتح فمه، وأمسك الزجاجة بإحكام، ومصها بشغف. جلستُ بجانبه، دون أن أرفع عيني عنه. بدا كل جانب في ذلك الوجه الصغير كأنه محفور في قلبي منذ زمن بعيد. كان يشبه والده تمامًا، هكذا فكرت. هذا الأنف، وهذه الأذنان، وحتى العيون الناعسة عندما تفتحان أعينهما قليلًا، كانت كلها نسخة مصغرة مني آنذاك. انحنيتُ، أتحقق بهدوء من كل إصبع، وكل إصبع قدم، وكل مفصل صغير. تسلل إليّ خوف صامت، خوف غير مرئي ربما اختبره أي أب أو أم: خوف من أن الطفل ليس بصحة جيدة، خوف من أن يكون هناك خطب ما. لكنني تنفستُ الصعداء. كان كل شيء على ما يرام. كان طفلي بصحة جيدة تمامًا. لقد غمرني شعور بالامتنان، خفيف ومقدس، وكأن الحياة قد منحتني للتو معجزة.
أُعيدت زوجتي إلى الغرفة على كرسي متحرك بعد بضع ساعات من المراقبة بعد العملية. كان وجهها لا يزال شاحبًا، لكن عينيها أصبحتا أكثر هدوءًا، ولم تعدا مذعورتين كما كانتا من قبل. التفتت ورأت الطفل مستلقيًا بسلام في الحاضنة، ففاضت عيناها بالدموع على الفور.
- كيف حال الطفل؟ - همست زوجتي بصوت أجش من التعب.
- أنا بخير. وسيم كأبيه. - حاولتُ المزاح، وأنا أخفي مشاعري في صدري.
نظرت زوجتي إلى الطفل، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة. كانت تلك أول ابتسامة لأم بعد ألم الموت، متعبة وضعيفة، لكنها مشعة على نحو غريب. وقفتُ أراقب الأم وطفلها بهدوء. الغرفة الصغيرة، والضوء الأصفر الدافئ، وهمهمة مكيف الهواء، كل شيء بدا وكأنه ينكمش في عالم واحد: عالمنا. عائلة. حب. وحياة بدأت للتو. لكن في خضم تلك السعادة، كان لا يزال هناك صمت مطبق. والدي، جد الصبي، لم يعد موجودًا. قبل شهرين تقريبًا، توفي بعد صراع طويل مع المرض، دون أن تتاح له فرصة احتضان حفيده الأكبر. مجرد التفكير في الأمر جعل حلقي يضيق. همستُ بهدوء: "أبي، لقد وُلد حفيدك: أبيض، معافى، مثلك تمامًا. هل تراه من هناك؟"
في الأيام الأولى، انغمستُ أنا وزوجتي في دوامة رعاية طفلنا. كان الطفل صعب المراس بشكلٍ غريب: كان يبكي عند وضعه، ولا يتوقف إلا عند حمله. كان الأمر كما لو أنه يقيس حبه بإجبار والديه على الانشغال به طوال الليل. على الرغم من أنني كنتُ منهكًا، إلا أنني في كل لحظة أحمل فيها طفلي بين ذراعيّ، كنتُ أشكر بصمت لأن الأم والطفل كانا بأمان، ولا بد أن والدي كان يبتسم في مكان ما. تعلمتُ النوم واقفًا، وأخذ قيلولة قصيرة في فترات قصيرة نادرة. لكن الغريب، أنه على الرغم من أنني كنتُ منهكًا، لم أغضب أو أفقد أعصابي أبدًا. بل على العكس، كنتُ أشعر دائمًا بسلام غريب في قلبي، كما لو كان يُعلّمني بصمت كيف أنمو، يُعلّمني كيف أصبح رجلًا حقيقيًا.
خلال كأس العالم تلك، شاهدتُ كل مباراة، من المباراة الأولى التي خسرتها الأرجنتين بشكل صادم أمام السعودية، إلى المباراة النهائية المثيرة التي رفع فيها ميسي الكأس الذهبية المرموقة لأول مرة. بفضل من استطعتُ مشاهدة كل لحظة؟ بفضل ابني الذي لم يدعني أنام طوال الليل. حملته بين ذراعيّ، وعيناي تتابعان كل حركة، وأفكر في نفسي: "أتساءل إن كان سيحب كرة القدم بقدر ما أحبها؟". ربما سيصبح لاعب كرة قدم، أو طبيبًا متفانيًا. أو ببساطة، سيكون رجلًا طيبًا، يحب عائلته ويهتم بها، كما علمني جده.
كان هذا هدفي المفاجئ. لكنني أدركتُ أنه للفوز في لعبة الحياة الطويلة، عليّ أن ألعب بكل قلبي، بكل صبري وحبي وتضحياتي. وكنتُ مستعدًا.
المصدر: https://baobacgiang.vn/ban-thang-dau-doi-postid419561.bbg
تعليق (0)