
الغناء والألعاب النارية في يالطا
بعد رحلة استغرقت قرابة ثلاث ساعات من مطار شيريميتيفو، موسكو (روسيا)، وصلنا إلى مطار سيمفيروبول. خلال إقامتنا في شبه جزيرة القرم، اضطررنا لشراء بطاقات SIM خاصة بنا، إذ لم نتمكن من استخدام أرقام من رمز منطقة موسكو.
على بُعد حوالي 100 كيلومتر من مطار شيريميتيفو، ستصل إلى يالطا، مدينةٌ ساحرةٌ على ساحل البحر الأسود. يطلّ الطريق على البحر من جهة، والجبال من جهة أخرى، بمنازلها الصغيرة الجميلة التي تتكئ عليها.
بينما كنا ننتظر الإشارة الحمراء، أوقفت فتاة سيارتها، وفتحت النافذة، وابتسمت لنا ابتسامة مشرقة. بدا أن هذه الابتسامة كانت كافية لتُصبح فرحة صغيرة لنا لبدء رحلتنا.
يالطا هي مدينة كبيرة في شبه جزيرة القرم، تقع على ساحل البحر الأسود، وتعرف باسم جنة المنتجع في شبه جزيرة القرم.
شاطئ يالطا خالٍ من الرمال، بل مجرد حصى ناعمة. مياهه صافية وباردة. على طول الساحل، تتكئ المطاعم والمقاهي على المنحدرات. الشاطئ مزدحم، لكنه لا يشعر بالازدحام أو التدافع.
وصلنا إلى يالطا بمناسبة ذكرى ميلاد المدينة (١١ أغسطس). ومع الألعاب النارية المبهرة في سماء الليل، تشابكت أيدي الناس ورقصوا وغنوا بفرح.
في أرجاء المدينة، تكتسي الأزقة الصغيرة بخضرة وظلال، وتغص كروم العنب بالثمار، وتتفتح الأزهار ببريقٍ ساحر. وتبدو ثمار المشمش الناضجة، من بعيد، كآلاف من أزهار البرتقال الصغيرة المتناثرة بين الأوراق الخضراء.

رحلة بالحافلة مع سكان القرم
من رموز شبه جزيرة القرم قلعة عش السنونو، المعروفة أيضًا باسم قلعة الحب. تقع هذه القلعة القوطية على قمة جبل أيتودور، المطل على البحر من جبال أورورا.
استمتعتُ بصعود الدرج الخشبي، والتوقف عند النافذة المطلة على البحر الأزرق بسماء صافية وسحب بيضاء، والتأمل في اللوحات الملونة المعلقة بجلال في أرجاء القلعة.
قررنا زيارة قمة جبل آي بيتري، حيث يُمكن رؤية ظل الجبل من قلعة عش السنونو. استغرق الأمر أكثر من ثلاث ساعات للانتظار في طابور التلفريك المؤدي إلى قمة الجبل. لكن المناظر الطبيعية كانت كافية لجعل المسافر لا يندم على الانتظار.
على قمة الجبل، تتجلى يالطا بأكملها أمام أعيننا كلوحة فنية خلابة. في الأفق، تلتقي السماء بالماء، بلون أزرق غامق. في الأسفل، غابة خضراء، سماء خريفية، فتتغير ألوان أوراقها تدريجيًا. اخترنا العودة بالسيارة للاستمتاع بالسهوب الشاسعة، حيث ترعى الخيول على مهل عند غروب الشمس.
إلى جانب جمال طبيعتها، تُلامس شبه جزيرة القرم قلوب زوارها بفضل لطف أهلها وجمالهم وحماسهم. خلال أيامنا في القرم، أينما ذهبنا، تلقينا المساعدة والإرشاد بحماس، بروح ودية وكرم ضيافة.
في الطريق إلى محطة كاناتنايا دوروجا - حيث تقع محطة التلفريك إلى جبل آي بيتري، أخذنا الحافلة رقم 100 الخطأ بدلاً من 132. بعد أن دارت الحافلة حول ممرات الجبال، سألنا السائق مرة أخرى وقيل لنا أن الحافلة لن تذهب إلى محطة كاناتنايا دوروجا.
استمعنا إلى حديثنا مع السائق، وطلب منا زوجان روسيان أن نلحق بهما إلى موقف الحافلات على جانب الطريق، ثم نعود لركوب الحافلة رقم ١٣٢. كانت المرأة متحمسة للغاية، تسأل كل حافلة قادمة إن كانت متجهة إلى موقف كاناتنايا دوروجا. بعد قليل، وصلت الحافلة رقم ١٣٢.
رافقونا في الحافلة لنحو نصف ساعة، مذكّرين إيانا مرارًا بأن أمامنا محطتين إضافيتين. كما طلبوا من السائق أن ينزل الأطفال عند محطة كاناتنايا دوروجا. دفء أهل القرم جعلني أشعر وكأنني في وطني.
الفجر المفاجئ
لأسباب شخصية، اضطررت للعودة إلى موسكو قبل رفيقي. في يوم عودتي، استقبلني سائق التاكسي الساعة السادسة صباحًا لينقلني إلى المطار. في الطريق، أذهلني جمال شروق الشمس في القرم! سألني السائق عن موعد رحلتي. ثم أوصلني بهدوء إلى أحد أجمل مواقع شروق الشمس في القرم.
طلب مني النزول من السيارة لمشاهدة شروق الشمس، وقال لي: "اطمئن، سأصل إلى المطار في الموعد المحدد". شعرتُ بالدهشة والامتنان الشديدين. ثم عندما فتحتُ باب السيارة وخرجتُ، أذهلني المنظر الجميل الذي ظهر أمام عيني.
لقد زرتُ أماكن عديدة، ورأيتُ مراتٍ لا تُحصى اللحظات الرائعة التي تسبق شروق الشمس، لكنني لم أرَ شروقًا بجماله وهدوئه كشروق القرم. ينتشر الضوء في كل مكان. تُشرق قلوب الناس فجأةً في خضمّ لحظةٍ مميزة.
كثيراً ما يقول الروس إنهم لا يملُّون من زيارة القرم. والآن، لا يُدهشني أن أعرف أن الروس لا يزالون يسافرون إلى القرم، رغم الحرب الدائرة في أوكرانيا. لا يزال مطار سيمفيروبول مغلقاً، ويضطرون للسفر براً عبر جسر القرم.
وداعا شبه جزيرة القرم ولا أعلم متى سأعود ولكن ذكريات الأيام التي قضيتها هنا ستظل دائما من أجمل الأشياء التي كنت محظوظا بالحصول عليها في أرض أشجار البتولا.
مصدر
تعليق (0)