في مطلع مارس، استقبل قسم الصحة النفسية بمستشفى سنترال إي مريضة، طالبة تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا، تعاني من انهيار عصبي حاد. ظهرت عليها علامات فقدان الذاكرة، وصعوبة التركيز، واكتئاب متكرر، ولوم الذات، وإيذاء النفس.
خلال الفحص والمحادثة، قال المريض إنه كان تحت ضغط كبير بسبب اضطراره للبقاء متفوقًا في صفه لفترة طويلة. هذا تسبب له في توتر طويل، وأرق، ودخول تدريجي في حالة من الاكتئاب. التوقعات المفرطة من عائلته، وخاصة شعوره بعدم التقدير، جعلته يشعر بأنه عديم الفائدة وغير قادر على تحمل ضغط الدراسة. وقال إنه إذا لم يحقق نتائج جيدة، فسوف يوبخه والدته وجده، مما أدى إلى شعوره بأنه لا قيمة له في الحياة.
وأوضح تشخيص الطبيب أن الطالبة تعاني من حالة اكتئاب وأفكار انتحارية، نتيجة تعرضها لصدمة نفسية شديدة.
ويقول الخبراء أنه لا ينبغي لنا أن نضع الكثير من التوقعات والضغوط على أكتاف الأطفال.
ليس هذا فحسب، بل إن ضغط أولياء الأمور والمجتمع يُثقل كاهل الطلاب. ووفقًا لمسح أجرته وزارة التعليم والتدريب عام ٢٠٢٤، عانى ما يصل إلى ٦٧٪ من طلاب المرحلة الثانوية من ضغوط شديدة قبل الامتحانات المهمة؛ وأظهر ٢٥٪ منهم علامات اكتئاب خفيفة إلى متوسطة.
في فيتنام، لا تزال الصحة النفسية قضية حساسة ولم تحظَ بالاهتمام الكافي. لا يُدرك العديد من الآباء خطورة أعراض مثل الأرق، واضطرابات الأكل، أو التغيرات العاطفية غير العادية لدى أطفالهم. ولا تُكتشف العديد من الحالات إلا عندما تتفاقم الحالة، وقد تؤدي إلى الانتحار.
وفقاً لخبراء التربية ، يسود اعتقاد سائد لدى كثير من الآباء بأن أطفالهم يتمنون لهم النجاح والتفوق، بل والتفوق على أنفسهم، انطلاقاً من مبدأ "أن يكون الطفل أفضل من والده فهو نعمة للعائلة". إلا أنه في ظل مجتمعنا المعاصر، لا يكفي التفوق الدراسي أو الطاعة لضمان مستقبل ناجح. يحتاج الأطفال إلى تنمية شاملة، حيث تلعب الصحة النفسية دوراً محورياً.
"يعيش الطلاب في عالم هش وغير مؤكد"
قال الأستاذ المشارك الدكتور تران ثانه نام، رئيس كلية العلوم التربوية بجامعة التربية (جامعة هانوي الوطنية)، إن الطلاب اليوم يعيشون في عالم مليء بالضغوط وعدم اليقين. إنه عالم "هش" وسريع التغير، مما يُشعر الشباب بالارتباك والضياع. لقد أدت التغيرات السريعة في المجتمع، إلى جانب التطور الهائل للذكاء الاصطناعي، إلى تزايد حجم المعرفة البشرية بشكل يفوق قدرتها على الاستيعاب، مما زاد من القلق والضغط لتحقيق النجاح.
الأستاذ المساعد الدكتور تران ثانه نام، رئيس كلية العلوم التربوية، جامعة التربية (جامعة فيننا الوطنية هانوي)
لا يتعلم طلاب اليوم "التفوق" على الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يتعلمون أيضًا التغلب على أنفسهم في سباق لا نهاية له. كثيرون لا يعرفون ما الذي يدرسونه، أو كم من الوقت سيستغرقون لتعلم ما يكفي.
أشار السيد نام أيضًا إلى أنه في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، لا يقتصر ضغط الإنجاز على المدرسة أو الأسرة، بل يشمل أيضًا المقارنة الاجتماعية الحادة. ويخلق التواصل الافتراضي المتنامي توقعات غير واقعية، مما يدفع العديد من الشباب إلى الضغط على أنفسهم. ولا يقتصر الأمر على الطلاب فحسب، بل يقع أولياء الأمور والمعلمون أيضًا في دوامة من الضغوط. ويتعرض المعلمون لضغوط مهنية، ويلجأ الكثير منهم إلى أساليب لتخفيفها بفرض الضغط على الطلاب. في الوقت نفسه، يبالغ أولياء الأمور في توقعاتهم، مما يزيد من ضغوط أبنائهم. ونتيجة لذلك، يصبح الطلاب هم الضحايا في نهاية المطاف.
وفقًا للسيد نام، إذا لم نتخلص من داء التحصيل الدراسي، من الطلاب وأولياء الأمور إلى المعلمين، فلن يزول ضغط الدراسة أبدًا. فقط عندما يتقبل الكبار أن يتطور الطلاب وفقًا لنقاط قوتهم واهتماماتهم، وعندما يصبح التعلم رحلة لاكتشاف الذات وإيقاظ القوة الداخلية، يمكن للمتعلمين خلق الدافع الداخلي.
في الواقع، لا يزال التعليم الحالي يعتمد بشكل كبير على المحتوى، ولا يتجه فعليًا نحو تطوير الكفاءات. يختلط على كثير من المعلمين مفهوم "التدريس القائم على الكفاءات". لقد حان الوقت لفلسفة تعليمية جديدة، تناسب عصر التكنولوجيا: "يجب أن ننتقل إلى نموذج تربوي قائم على تقرير المصير، حيث يحدد الطلاب أهدافهم بأنفسهم، ويتعلمون وفقًا لنقاط قوتهم واهتماماتهم وفضولهم. يلعب المعلمون دورًا توجيهيًا وتحفيزيًا، وسيستخدم الطلاب التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، لتوسيع مداركهم واكتشاف قدراتهم".
يرى السيد نام أن الإنسان الذكي في العصر الجديد ليس من يُكثر من الدراسة أو يحمل شهادة جامعية، بل من يُرسخ قيمًا جديدة للمجتمع. كما يجب تعزيز قيمة العمل اليدوي الماهر. ويجب إعطاء الأولوية لروح التعلم مدى الحياة، وتعميق المعرفة، بدلًا من السعي وراء الإنجازات والشهادات.
وفقًا للأستاذ المشارك تران ثانه نام، لتخفيف الضغط على الطلاب، يجب أولًا توحيد نظام التعليم. "يجب أن تكون المدارس والمعلمون كافيين من حيث الكم والكيف. يجب أن تكون كل مدرسة جيدة، فلا يمكن أن يكون هناك بعض الجيد وبعض السيئ. إذا لم تُلبِّ المدرسة برنامج التعليم العام، فإنها لم تُنجز مهمتها."
كما حذّر من أن هناك طلابًا يُقدمون على إيذاء أنفسهم بعد كل امتحان. يرتكب الكثير منهم أفعالًا متطرفة، ليس فقط بسبب درجاتهم في الامتحانات، بل أيضًا بسبب تراكم الصدمات النفسية طويلة الأمد. الامتحان ليس سوى "القشة الأخيرة".
يرى أن الحل يكمن في مساعدة الطلاب على اكتساب المهارات اللازمة للعناية بصحتهم النفسية. وهذا لا يقتصر على الطلاب فحسب، بل يشمل أيضًا أولياء الأمور والمعلمين الذين يحتاجون إلى المعرفة اللازمة لتحديد علامات عدم الاستقرار النفسي بسرعة.
وأكد الأستاذ المشارك الدكتور تران ثانه نام: "في عالم يزداد قسوة وعدم يقين، فإن المهم ليس تجنب الضغوط، بل إعداد الشباب للتعامل معها والتغلب عليها بشكل مستدام".
ضغط الامتحانات: توقعات الوالدين هي السبب الجذري
الدكتورة فو ثو هونغ، خبيرة في التعليم، تُشاركنا الرأي قائلةً: يعتقد الكثيرون أن الضغط النفسي على الطلاب ناتج عن الامتحانات التي تشهد نسب نجاح ورسوب عالية ومنافسة شرسة. لكن في الواقع، ينبع معظم هذا الضغط من توقعات أولياء الأمور تجاه أبنائهم.
الدكتور فو ثو هوونج - خبير التعليم
عندما يُبالغ الآباء في توقعاتهم، فإنهم لا يُثقلون كاهل أبنائهم فحسب، بل يُرهقون أنفسهم في كل لحظة من الامتحان. في الواقع، ينبغي أن تكون الامتحانات تجربة تُساعد الأطفال على النمو، وتعلم مهارات مواجهة التحديات، لا "مقياسًا" للقيمة أو تحديدًا للمستقبل. رسوب الطالب في الامتحان لا يعني الفشل، بل هو جزء طبيعي من رحلة التعلم والتطور.
لقد شهدتُ العديد من الطلاب الذين تأثرت صحتهم البدنية والنفسية بشكل خطير بسبب الضغط الدراسي. بعض الطلاب يسيرون أثناء نومهم ويصابون بالهذيان أثناء التحضير للامتحان، وبعضهم ينفجرون بالبكاء لمجرد مواجهة مسألة رياضية صعبة. أعراض مثل اضطرابات الذاكرة، والأرق، وتساقط الشعر، وآلام المعدة... كلها مظاهر للضغط الدراسي. حتى أن هناك حالات ينتحر فيها الطلاب عندما لا يستطيعون التغلب على التوقعات والضغط. ويزداد هذا الوضع خطورة عندما يساهم المعلمون، بسبب قلقهم الشديد، في نشر الضغط على أولياء الأمور والطلاب. يعبر العديد من المعلمين عن شكوكهم في قدرات الطلاب بطريقة غير مدروسة، أو يتوقعون الدرجات وفرص النجاح، مما يتسبب في ذعر أولياء الأمور ودفع أطفالهم على الفور إلى دوامة من الدروس الإضافية المتواصلة، حسبما ذكرت السيدة فو ثو هونغ.
وفقًا للسيدة هونغ، ليس الطلاب فقط، بل أولياء الأمور أيضًا، يحتاجون إلى استشارة نفسية عند خضوع أبنائهم للامتحانات. تُجهّز العديد من العائلات أطفالها للامتحانات بدءًا من الصف الثامن، مع وجود حصص إضافية مكتظة طوال الصيف. يُغيّر الآباء جداولهم العائلية، ولا يذهبون في عطلات، ولا يسمحون لأبنائهم بالقيام بالأعمال المنزلية، ويُكرّسون كل مواردهم لأطفالهم. ومع ذلك، عندما لا يُلبّي الأطفال التوقعات، فإن شعورهم بـ"خذلان عائلاتهم" قد يُسبب لهم انهيارًا نفسيًا.
حتى في موسم الامتحانات، تُوقف بعض العائلات أنشطتها اليومية تقريبًا لرعاية "المُرشَّح". من الأجداد والآباء والأشقاء... يُركِّز الجميع على رعاية أبنائهم أثناء خوضهم الامتحان كما لو كان حدثًا هامًا. في الوقت نفسه، ما يُريده الأطفال أكثر هو خوض الامتحان براحة بال، كأي امتحان فصل دراسي عادي.
روت الخبيرة فو ثو هونغ قصةً شهدتها: "خضع طالبٌ في أوروبا لامتحان القبول الجامعي، لكنه ذهب إلى المكان الخطأ وعاد إلى المنزل مبكرًا. ضحكت العائلة بأكملها ولم تلومه. اعتبروها تجربةً لا تُنسى، ومنحوه عامًا كاملًا للاستعداد مجددًا. على الرغم من أن امتحانات القبول الجامعي في أوروبا مرهقةٌ أيضًا، إلا أن روح مواجهتها هنا تستحق التأمل. إنهم ينظرون إلى أخطاء أبنائهم بتسامح، ويحولونها إلى دروسٍ إيجابية بدلًا من الضغط عليهم. من هنا، أود أن أسأل الآباء الفيتناميين: هل نتوقع الامتحانات ونرفعها إلى ما هو أبعد من الضروري؟ هل حان الوقت لإعادة تقييم الدور الحقيقي للامتحانات، كفرصةٍ للتعلم والممارسة والنمو، بدلًا من كونها "معركة بقاء" تُحدد مستقبل أبنائنا؟
الامتحانات محطاتٌ مهمة، وليست خطوط نهاية. النجاح الحقيقي لكل طالب لا يكمن في الدرجة فحسب، بل في قدرته على تجاوز التحديات والنمو بعد كل رسوب. حان الوقت لننظر إلى الوراء، ونُكيّف، ونرافق الطلاب بفهمٍ لا بتوقعاتٍ وفرضٍ.
vov.vn
المصدر: https://baolaocai.vn/ap-luc-hoc-tap-sat-thu-vo-hinh-cua-suc-khoe-tinh-than-hoc-sinh-post648457.html
تعليق (0)