وصلت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى الصين على أمل إعادة ضبط العلاقات التي تدهورت على مر السنين، وخاصة في أعقاب التوترات بشأن الصراع في أوكرانيا، والبالونات التجسسية الصينية المزعومة التي تحلق في المجال الجوي الأميركي، والقيود التجارية التي يفرضها الجانبان.
وفي مؤتمر صحفي عقدته في ختام زيارة رفيعة المستوى للصين في التاسع من يوليو/تموز، قالت السيدة يلين إن محادثاتها مع القادة الصينيين تمثل خطوة إلى الأمام في الجهود الرامية إلى استقرار العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم، على الرغم من الخلافات الكبيرة بين الجانبين.
وقالت السيدة يلين "إننا نعتقد أن العالم كبير بما يكفي لازدهار بلدينا".
أفضل الأهداف
خلال زيارتها الأولى للصين كوزيرة للخزانة الأميركية، التقت السيدة يلين مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، ونائب رئيس مجلس الدولة هي ليفنغ، ووزير المالية ليو كون، وأمين عام الحزب في بنك الشعب الصيني بان جونج شنغ.
وباستثناء السيد فان كونغ ثانغ، الذي تم تعيينه مؤخرا، تولى الزعماء الثلاثة المتبقون مناصبهم في أواخر العام الماضي، بعد إعادة انتخاب الرئيس شي جين بينج لولاية ثالثة.
في واقع الأمر، كان توسيع نطاق التواصل مع فريق القيادة الصيني الجديد من أهم أولويات السيدة يلين والوفد المرافق لها، لذا فإن المحادثات التي استمرت عشر ساعات مع أربعة من كبار صناع السياسات الاقتصادية في حكومة شي، وخاصة هي ليفينج، كانت بلا شك إنجازهم الأكبر.
وفي حين عقدت الإدارة الأميركية عدة جولات من المحادثات الدبلوماسية رفيعة المستوى مع الصين، فإن هذه هي المحادثات الاقتصادية الأولى من نوعها في ظل الإدارة الجديدة.
من أهم أهداف السيدة يلين خلال زيارتها لبكين توسيع نطاق التواصل مع نظيرها الصيني، نائب رئيس مجلس الدولة هي ليفينغ. الصورة: بلومبرغ
قال سكوت كينيدي، الخبير الاقتصادي في الشؤون الصينية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: "إن نتيجة الاجتماع هي الاجتماع نفسه، وليس القضايا المحددة". وأضاف: "لقد بدأنا من نقطة لم نتحدث فيها تقريبًا منذ ثلاث سنوات ونصف، وتصاعد مستوى الشك والريبة إلى مستويات عالية جدًا".
وقال كينيدي إنه من المهم أن تتمكن يلين وهي ومسؤولون صينيون آخرون من إجراء مناقشات جوهرية حول الاختلافات السياسية بعد سنوات من الخلاف حول جائحة كوفيد-19، والتعريفات الجمركية، والأمن القومي، والقيود التجارية، والصعوبات المتزايدة التي تواجهها الشركات الأمريكية في الصين.
وأعلنت السيدة يلين أن الجانبين سوف يسعيان إلى مزيد من التواصل على أعلى المستويات، لأن تحسين الحوار هو السبيل لمنع انعدام الثقة والشقوق في العلاقة التي وصفتها بأنها "واحدة من أهم العلاقات في هذا العصر".
وتأتي زيارة السيدة يلين في أعقاب زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن كجزء من الجهود الرامية إلى "تدفئة" العلاقات التي تجمدت بعد أن أسقط الجيش الأمريكي بالون تجسس تابع للحكومة الصينية في سماء الولايات المتحدة.
وتمهد الزيارتان الطريق أيضًا للقاء بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس شي جين بينج، والذي من المتوقع أن يتم خلال قمة مجموعة العشرين في سبتمبر/أيلول في نيودلهي أو منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) المقرر عقده في نوفمبر/تشرين الثاني في سان فرانسيسكو.
خلاف كبير
ورغم أن زيارة السيدة يلين تعتبر خطوة إيجابية في العلاقة بين القوتين العظميين، فإن العديد من الخبراء في كل من الصين والولايات المتحدة يحذرون من توقع حدوث العديد من التغييرات التالية.
عادت السيدة يلين إلى واشنطن في التاسع من يوليو/تموز دون الإعلان عن أي اختراقات أو اتفاقيات لرأب الصدع المستمر بين البلدين.
وقال مارك سوبيل، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية: "من المرجح أن تؤدي زيارة السيدة يلين إلى تهدئة التوترات في العلاقات الاقتصادية وتذكير كل من الولايات المتحدة والصين بأن لديهما بعض المصالح التجارية المشتركة، حتى لو ضعفت، وأنهما بحاجة إلى مناقشة الأمور".
ومع ذلك، ونظراً للمخاوف الأمنية الوطنية في كلا البلدين، فضلاً عن تصور الصين أن الولايات المتحدة تسعى إلى احتواء تنميتها الاقتصادية، فإن "رحلة السيدة يلين من غير المرجح أن تغير الديناميكيات الأساسية ومسار العلاقة الاقتصادية"، كما قال السيد سوبل.
وأشارت السيدة يلين والمسؤولون الصينيون إلى خلافات كبيرة وتحدثوا عن المخاوف الأميركية بشأن "الممارسات الاقتصادية غير العادلة" التي تنتهجها الصين، فضلاً عن الإجراءات العقابية الأخيرة ضد الشركات الأميركية، بما في ذلك القيود المفروضة على المعادن الرئيسية لأشباه الموصلات.
صرحت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بأن الولايات المتحدة والصين ستسعيان إلى تبادلات رفيعة المستوى رغم "الخلافات الكبيرة". الصورة: نيويورك تايمز
في هذه الأثناء، انتقدت الصين أيضًا نظر الرئيس جو بايدن في إصدار أمر تنفيذي لمنع مليارات الدولارات من الاستثمارات الأمريكية في تقنيات حساسة مثل الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي في الصين.
وقالت يلين إن هذه التدابير سوف تستهدف قطاعات محددة ولا تهدف إلى إحداث تأثير واسع النطاق على الاقتصاد الصيني، وتعهدت بأن أي قيود استثمارية تفرضها وزارة الخزانة سوف تستهدف بشكل ضيق المجالات التي تثير مخاوف أمنية وطنية محددة.
تؤكد الإدارة الأمريكية أيضًا أن قيودها الأخيرة على صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى الصين، وخاصةً أشباه الموصلات المتطورة، تُركز حصرًا على الأمن العسكري الأمريكي. كما تصف إجراءاتها بأنها بناء سياج عالٍ حول مجمع تكنولوجي صغير.
ومع ذلك، لا يزال الكثيرون في الصين متشككين. يقول وو شينبو، عميد كلية الدراسات الدولية بجامعة فودان في شنغهاي: "عندما تُقدّم الولايات المتحدة سياساتها على أنها "مُخصّصة للأمن القومي فقط"، فإن السؤال يكمن في مدى اتساع نطاق الأمن القومي" .
نجوين تويت (وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، ورويترز، والغارديان)
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)