الشعراء يرسمون! أمرٌ غريب، يصعب تصديقه، ولكن إذا تأملتَ فيه، ما الغريب فيه؟ الشعر والرسم ليسا عالمين منفصلين. يكتب الشعراء بالكلمات لاستحضار الصور، والرسامون يرسمون الصور لاستحضار المشاعر. عندما يلجأ الشعراء إلى الرسم، ألا يبحثون عن لغة جديدة لسرد قصة قديمة؟
في فيتنام، لم تعد هذه الظاهرة غريبة. بوي تشات ونغوين كوانغ ثيو، شاعران مشهوران، أصبحا الآن اسمين يُذكران بكثرة في عالم الرسم. يرسمان وينظمان المعارض، ولا تزال لوحاتهما، سواءً كانت "قياسية" من الناحية الفنية أو "غير قياسية"، تلقى استحسانًا، وأحيانًا تكون أسعارها مرتفعة. ولكن ما الذي يجعل لوحاتهما جذابة؟ ما الذي يجعل قصصهما مثيرة للاهتمام؟
بوي تشات ولوحاته
التفاعل الفني
بوي تشات، بأسلوبه الذي يشبه أسلوب "من لا يجيد الرسم"، أبدع لنفسه عملاً مميزاً. لوحاته لا تتبع أي معايير، ولا تراعي مبادئ التكوين. إنها أشبه بقصيدة حرة، أحياناً فوضوية وأحياناً أخرى متقطعة، لكنها دائماً مليئة بالعاطفة. في معرض "الارتجال" ، قال ذات مرة: " الرسم هو طريقتي في ارتجال المشاعر، حتى قبل أن تتجسد في كلمات". وهذه هي جاذبية لوحاته: لا يسعى إلى الكمال، بل إلى الواقعية.
مع ذلك، هذه الرحلة ليست سهلة. قال بوي تشات ذات مرة: " يقول الناس إنني أرسم كطفل في الصف الثالث. لكن الرسم بالنسبة لي ليس لإثبات براعتي، بل لتحرير نفسي من الإطار" . يعكس هذا القول جزئيًا الشكوك التي واجهها من الجمهور والخبراء على حد سواء. غالبًا ما تُعتبر ضربات الفرشاة غير المؤكدة والمساحات الفارغة التي تبدو بلا معنى في لوحاته "فقيرة في التقنية"، لكنها تحمل مشاعر عميقة يعجز الشعر أحيانًا عن التعبير عنها.
لوحات للفنان بوي تشات
إذا كان بوي تشات متمردًا في الشعر والرسم، فإن نجوين كوانغ ثيو يُضفي على الرسم بُعدًا حالمًا عميقًا. لوحاته لا تُعيد إحياء الواقع، بل تُعيد إحياء الذكريات، من الحقول، وقطعان الأبقار، ومن الأسطح إلى عازفي الناي... كقطعٍ شوّهها الزمن والخيال. ومع ذلك، فهو ليس بمنأى عن التحديات. فقد ظهرت انتقاداتٌ مثل: " أنت شاعر، لماذا لا تُركز على الشعر وتنتقل إلى الرسم؟"، مما ضغط عليه لإثبات أن لوحاته لا تعتمد فقط على شهرته الشعرية.
قال نجوين كوانغ ثيو ذات مرة: " الحقول في قصائدي ليست حقولًا حقيقية، وكذلك الحقول في لوحاتي". في لوحاته، كل شيء مُكبّر أو مُصغّر بشكل غير طبيعي، مما يخلق مساحة سريالية، أشبه بذكريات حلمٍ مُتلألئة. لكن هذا الاختلاف هو ما يُفسر أحيانًا لوحاته على أنها "غير عميقة بصريًا بما يكفي". مع ذلك، يُدرك مُحبو لوحاته حقًا أنها صور تُثير فينا عمق الحنين، وهو ما تعجز الكلمات أحيانًا عن وصفه.
عندما يصنع "الهواة" الأساطير
لم يقتصر الأمر على فيتنام، بل تركت قصة الشاعر الذي يحمل فرشاةً أثرًا في تاريخ الفن العالمي. لم يكتفِ ويليام بليك، الشاعر الإنجليزي الشهير، بكتابة الشعر، بل رسم أيضًا. في أعمال مثل "قديم الأيام" أو "نيوتن" ، تُشبه لوحاته القصائد البصرية، فكل ضربة رمزية، تُوحي بطبقات من المعاني تتجاوز الصورة الظاهرة.
واجه رابندراناث طاغور، الشاعر الهندي الحائز على جائزة نوبل، شكوكًا كثيرة عند دخوله عالم الفن. ترك وراءه أكثر من ألفي لوحة مفعمة بالعاطفة والحرية، لكنه واجه أسئلة من معاصريه: " أجاب طاغور: " اللون أغنية لا أستطيع غنائها بالكلمات". لهذا السبب، ورغم عدم انتمائه إلى أي مدرسة فنية، لا تزال لوحاته تتمتع بجاذبية قوية، لأنها تستحضر عالمًا عاطفيًا يصعب استيعابه ولكنه سهل التعاطف معه.
يتبادل السياح الصور أثناء زيارتهم لأعمال بوي تشات.
حتى فنانون مشهورون مثل فنسنت فان جوخ وجان ميشيل باسكياه كانوا في يوم من الأيام "هواة" في الرسم. لم يتلقوا تدريبًا رسميًا، لكن هذه الحرية هي التي صقلتهم. أثبت فان جوخ بلونه الأصفر الزاهي، وباسكياه بضرباته الفوضوية كصرخات روح قلقة، أن الفن لا يحتاج إلى تقنية متقنة، بل إلى قلب صادق.
الفن ليس له حدود ولا تحيزات
عندما يرسم الشاعر، يُنظر إليه غالبًا على أنه "هاوٍ"، كأشخاص فضوليين يدخلون عالمًا لا ينتمي إليهم. ولكن هل هذا منصف؟ لا يتعلق جمال اللوحة بصحتها الفنية، بل بقدرتها على التأثير في نفسية المشاهد.
لا تسعى لوحات بوي تشات، ونغوين كوانغ ثيو، وويليام بليك إلى أن تكون "جميلة" بالمعنى البصري، بل إلى أن تكون صادقة بالمعنى الروحي. إنهم لا يرسمون لمنافسة فنانين آخرين، بل لتوسيع آفاقهم الإبداعية. وما يجعل هذه الأعمال جذابة هو شجاعة مواجهة التحيز والتغلب على التحديات.
الرسم، كسائر الفنون، ليس مسابقة مهارة. قد يحتاج الفنانون المحترفون إلى مزيد من الانفتاح، بدلًا من ترك المعايير الأكاديمية عائقًا. الفن ليس ملاذًا لأحد، بل هو بيت واسع، حيث يحق لأي شخص، شاعرًا كان أم رسامًا أم عاشقًا للفن... أن يُبدع ويعبّر عن نفسه. وكما كتب ويليام بليك: " لا نعرف أبدًا ما بوسعنا فعله، حتى نصبح أحرارًا في المحاولة".
[إعلان 2]
المصدر: https://thanhnien.vn/khi-nha-tho-cam-co-185241203150319614.htm
تعليق (0)