يعتقد الدكتور فام هوانغ مانه ها أن المجتمع بحاجة إلى منح الشباب المزيد من الفرص وتهيئة الظروف المناسبة لهم لتحدي أنفسهم والشعور بالثقة. (الصورة: NVCC) |
في عالم يتغير بسرعة بسبب التكنولوجيا والعولمة والتحديات مثل تغير المناخ، أصبحت مسؤولية الشباب ذات أهمية متزايدة.
بمناسبة اليوم العالمي للشباب (12 أغسطس)، أجرت صحيفة العالم وفيتنام مقابلة مع الدكتور فام هوانج مانه ها، المحاضر في جامعة ثانه هوا للثقافة والرياضة والسياحة، حول منظور مسؤولية الشباب في عصر اليوم.
القوة التي تخلق مستقبلًا إنسانيًا ومستدامًا
برأيك ما هي أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الشباب في ظل السياق الاجتماعي والتكنولوجي الحالي؟
لطالما عُرف الشباب، عند الحديث عن دورهم ومسؤوليتهم في المجتمع، بأنهم "أصحاب الوطن المستقبليون". ولكن في العصر الرقمي، ومع نهضة العلم والتكنولوجيا، وهما عاملان يُعتبران من مزايا الشباب، هل ينبغي لنا إعادة تعريف دورهم ومسؤولياتهم؟
لم يعد هذا الموقف من الملكية مجرد مستقبل، بل هو واقعٌ أمام أعيننا. لقد أصبح الشباب القوة الحاسمة في مجتمع اليوم. كما أن سياق العولمة يُخرج هذه القوة من نطاق الالتزامات الشخصية تجاه الأسرة والمجتمع، ليُصبح مسؤولية المواطن العالمي، أي صانع القيم الإنسانية والمستدامة.
إذا كان الشباب في الماضي يعتمدون بشكل أساسي على المعرفة والذكاء عند دخولهم الحياة، فإنهم في المجتمع الحديث يحتاجون إلى مهارات التكيف مع العصر للوفاء بمسؤولياتهم؛ ومن أهم عوامل نجاحهم إتقان التكنولوجيا والتحول الرقمي وتنمية التفكير النقدي. بمعنى آخر، لا يقتصر جيل الشباب على استخدام التكنولوجيا فحسب، بل يجب عليهم أيضًا أن يصبحوا مبدعين ومتحكمين فيها بسرعة.
يُظهر الواقع أن على الشباب أن يكونوا قوة قيادية في نشر وتعزيز القيم الاجتماعية التقدمية، كحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. ففي عالمٍ مسطح، لا مفر من التبادل الثقافي والتصادم. يجب على الشباب الذين يتمتعون بالقدرة على التأقلم السريع والحساسية العالية مع الجديد أن يكونوا جسرًا بين الأصالة والمعاصرة، مُوازنين بين الهوية والتكامل، والوطنية والعالمية.
علاوةً على ذلك، في مواجهة تحديات تغير المناخ، يجب على الشباب أن يكونوا على درايةٍ بتغير عاداتهم وسلوكياتهم الاستهلاكية بسرعة، وأن يشاركوا بفعالية في مشاريع الطاقة المتجددة والمبادرات الخضراء، والأهم من ذلك، أن يكونوا مصدر إلهامٍ للمجتمع نحو نمط حياةٍ أخضر ومستدام. ويصبحون مواطنين مسؤولين تجاه مجتمعهم ووطنهم من خلال مشاركتهم في نقد السياسات وإطلاق المبادرات الاجتماعية.
والأهم من ذلك، لا ينفصل دور الشباب ومسؤوليتهم تجاه مجتمعهم عن القيم الروحية والأخلاقية الأصيلة. قد تحل التكنولوجيا محل العمل، بل وحتى الذكاء، لكن قيم الإنسانية والمسؤولية واللطف باقية. بفهم هذا، يمكن للشباب أن يصبحوا بحق القوة التي تبني مستقبلًا إنسانيًا ومستدامًا.
فكيف يمكننا تحفيز الشباب وتزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها للوفاء بمسؤولياتهم المدنية وتنمية أنفسهم في عالم متغير؟
لا بد من التأكيد على أن تأهيل جيل الشباب بشكل شامل بالمهارات وتحفيزهم هو المهمة الاستراتيجية الراهنة لكل دولة. أولاً، يجب أن يتحول التعليم من التلقين إلى التحرير. يحتاج الشباب إلى الإلهام وتعليمهم كيفية التعلم والتكيف ليكونوا مبدعين باستمرار في بيئة متغيرة باستمرار. بمعنى آخر، بالإضافة إلى المعرفة والخبرة، ينبغي أن يركز قطاع التعليم على تنمية مهارات التفكير النقدي، وكيفية مواجهة المشكلات وحلها، والتواصل بين الثقافات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إنشاء بيئة داعمة ومحفزة تتضمن مشاركة مجتمعية، ومراكز ابتكار، وبرامج ريادة أعمال، ومنصات رقمية يتطلب تضافر جهود العديد من الجهات المعنية، مثل الحكومة، والشركات، ومؤسسات التدريب، والمنظمات الاجتماعية.
حضر الشباب الدبلوماسي برنامج "تدريب الشباب مع رحلة العودة إلى المصدر: فيتنام تذهب إلى الحب - الترويج لجمال الثقافة والسياحة الفيتنامية" في كوانغ تري في 20 يوليو. (تصوير: نغوك آنه) |
علاوة على ذلك، فهو يُلهم الشباب ويحفزهم على المساهمة في مجتمعهم. ولدعم تطلعاتهم في هذه المرحلة، تُعدّ البرامج التطوعية ونوادي الشباب الناشئة البيئة المثالية. أعتقد أن هذا "المهد" سيُنبت طاقات وأنشطة إيجابية. ولا يسعنا إلا أن نذكر دور وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث تُعتبر الحملات الإعلامية بمثابة "فتيل" فعّال لإلهام الشباب، وخلق صدى إيجابي لديهم.
وأخيرًا، لا بد من مواءمة سياسات الشباب وتحديثها لضمان حصولهم على فرص العمل والمساواة في الحصول عليها. ويُنصت إلى آراء الشباب، بل ويُشاركون في صياغة السياسات الوطنية التي تهمهم.
لا ينفصل إبراز دور الشباب ومسؤوليتهم تجاه المجتمع عن القيم الروحية والأخلاقية الأصيلة. فالتكنولوجيا قادرة على استبدال العمل، بل وحتى الذكاء، لكن قيم الإنسانية والمسؤولية واللطف باقية. وبفهم هذه القيم، يصبح الشباب بحق القوة التي تصنع مستقبلًا إنسانيًا ومستدامًا. |
ولكي يتمكن الجيل الشاب من التطور بشكل شامل والوفاء بأدواره وواجباته كمواطنين في العصر الرقمي، هناك حاجة إلى نهج متعدد الأبعاد ومنهجي يدمج العديد من العوامل، بما في ذلك الأفراد والأسر والتعليم ووسائل الإعلام والسياسات، وما إلى ذلك.
يعتقد الكثيرون أن شريحة من شباب اليوم "لا مبالاة بالأحداث الجارية" وتفتقر إلى المسؤولية تجاه المجتمع. ما السبب الكامن وراء هذه الظاهرة برأيك؟
في الوقت الحاضر، يُظهر جزء من الشباب علامات تأثرهم بالعالم الافتراضي وسيطرته عليهم. فهم يكادون يعجزون عن التفكير النقدي عند مدح "أبطال الفضاء الإلكتروني" واعتبارهم قيمًا أصيلة يُناضلون من أجلها. ومن العوامل الموضوعية الأخرى ضيق مساحة الشباب لممارسة مسؤوليتهم تجاه المجتمع. لا شك أن الكثير من الشباب يدركون المسؤولية الاجتماعية، لكنهم يفتقرون إلى قنوات رسمية وشفافة وفعّالة للتحرك.
لقد شكّل هذا الواقع، ولا يزال، تحدياتٍ عديدةً للشباب الفيتنامي. تشمل هذه التحديات الفجوة بين التعليم والواقع، وغياب آليات الحوار، بالإضافة إلى الضغوط الاجتماعية والتحيزات من الجيل السابق.
التحدي الأكبر هو الشجاعة الشخصية في ظلّ التغيرات الثقافية والاجتماعية والنفسية العميقة والواضحة. ضغط أزمة العمل والمنافسة وضعف الهوية الذاتية يُربك الكثير من الشباب ويُشوّش توجهاتهم.
علاوة على ذلك، فإن التغيير السريع لثورة التكنولوجيا 4.0 والتحول الرقمي واتجاه العولمة يفتحان مساحة كبيرة للتعلم وبدء الأعمال التجارية وخلق قيم جديدة، حيث تكون قوة الشباب هي مركز الاتجاهات.
في الواقع، تُحدد السياسات دور الشباب وتُقدّره بشكل متزايد، مما يُهيئ الأساس القانوني والعملي اللازم لجيل الشباب. تجدر الإشارة إلى أن العديد من الشباب قد حققوا نجاحًا باهرًا في تأسيس مشاريعهم الخاصة، وهو ما يُمثل دافعًا قويًا من مجتمع الشباب نفسه. لذلك، يحتاج المجتمع إلى منح الشباب المزيد من الفرص وتهيئة الظروف المناسبة لهم لتحدي أنفسهم والشعور بالثقة.
إنها فرصة لإشعال حماسة، وإحياء ذكريات تاريخية، وغرس الفخر والمسؤولية لدى كل شاب وشابة تجاه قضية بناء الوطن والدفاع عنه في المرحلة الجديدة. (صورة: نغوك آنه) |
التصرف بشكل حضاري ونشر القيم الإيجابية
في عصر انفجار المعلومات والانتشار السريع للأخبار المزيفة، ما مدى مسؤولية الشباب في تلقي المعلومات والتحقق منها ومشاركتها؟
لا بد من الاعتراف بأن شبكات التواصل الاجتماعي تجاوزت كونها منتدىً إعلاميًا، لتصبح فضاءً اجتماعيًا ثانيًا، موازيًا للمجتمع الحقيقي. وهذا يعني أن ثقافة شبكات التواصل الاجتماعي تُعتبر معيارًا لتأكيد شجاعة ونضج جيل الشباب.
يُظهر الفضاء الإلكتروني، بخصائصه، بُعدين ثقافيين مُختلفين. أولًا، استغلّ العديد من الشباب نقاط قوة شبكات التواصل الاجتماعي بفاعلية وفعالية، من خلال تبادل المعرفة، وفرص العمل، والدعوة إلى الأعمال الخيرية، وحماية المساواة بين الجنسين، وإدانة العنف... عبر الإنترنت. على العكس، استغلّ العديد من الشباب إخفاء هويتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، فنشروا معلومات غير مُوثّقة، وأخبارًا مُضلّلة، وأدلوا بتصريحات غير لائقة، وحرّضوا على اضطرابات اجتماعية، أو اتبعوا اتجاهات مُضلّلة.
في عالمٍ مُسطّح، حيث يُمكن لكل فرد الوصول إلى المعلومات بسهولة بنقرة زر واحدة، يجب أن تُوضع مسؤولية المعلومات على عاتق كل فرد، وخاصةً الشباب، على مستوى عالٍ. يجب أن يُدرك كل شاب أن نشر معلوماتٍ كاذبة لا يُؤثّر على شرفه وسمعته فحسب، بل يُضرّ بالمجتمع، بل ويُخالف القانون.
لقد أعاق السلوك الرقمي على منصات التواصل الاجتماعي فرص الشباب المهنية، ولا يُمكن محو آثاره في الفضاء الرقمي تمامًا. بمعنى آخر، في كل مرة يتواصلون فيها عبر الإنترنت، يجب على الشباب إتقان سلوكهم الرقمي، بهدف احترام الحقيقة، والتصرف بأدب، ونشر القيم الإيجابية.
هذا يثير مسألة حقوق وواجبات المواطنين الرقميين، والتي أعتقد أنه ينبغي أن تُسنّ لها لوائح رسمية قريبًا. من ناحية أخرى، لا يُعدّ السلوك على منصات التواصل الاجتماعي مسألة فردية فحسب، بل يعكس جزئيًا وعي الشباب، بل ووعي المجتمع ككل.
إذا كانت هناك رسالة واحدة مهمة تريد إرسالها إلى الجيل الأصغر سنا حول مسؤوليتهم تجاه المستقبل، فماذا ستكون؟
في عالمٍ يشهد تغيراتٍ متواصلةٍ بفعل التكنولوجيا وتغير المناخ وتحولات القيم، كما هو الحال اليوم، فإن كلَّ فعلٍ يقوم به جيل الشباب والمجتمع ككل يُشكّل مباشرةً مجتمعَ المستقبل. ويمكن للقوة الشبابية - قادة الوطن - أن تُسهمَ في بناء المستقبل بشكلٍ استباقيٍّ من خلال الوعي والعمل. وفي سنِّ العشرين، حيثُ تُبصر الحياة النور، يجب أن يؤمن الشباب بأنهم ليسوا وحيدين، بل جزءٌ لا غنى عنه من المجتمع، مُتكاتفين لخلق ابتكاراتٍ إيجابيةٍ وفعّالة.
المصدر: https://baoquocte.vn/khoi-day-dong-luc-cho-thanh-nien-trong-thoi-dai-so-324053.html
تعليق (0)