قد لا تصدق، لكن الشعور الأكثر إرهاقًا الذي انتابني في أول تجربة لي في مترو سنغافورة لم يكن سرعة القطار، ولا نظافته، ولا دقة مواعيده، بل... المصاعد. أو بالأحرى، نظام السلالم المتحركة اللامتناهي الذي أحسست فيه وكأنك تسقط حرًا في مدينة تحت الأرض، طبقة تلو الأخرى.
محطة مترو مطار شانغي كبيرة للغاية وحديثة؛ بألوانها الرمادية البيضاء والمعدنية...
الصورة: لي نام
عدت إلى سنغافورة في يوم مشمس، وكان هدفي هو التجول حول مارينا باي ساندز وحدائق الخليج، ولكن عندما نظرت إلى الخريطة، أدركت: إذا كنت أرغب في السفر بسرعة وعلى الطريقة السنغافورية الحقيقية، فيتعين عليّ التعرف على نظام مترو الأنفاق (MRT)، وهو نظام المترو الأكثر شهرة في جنوب شرق آسيا.
ضائع في منتصف نظام المصاعد الشاهقة
بدأت رحلتي من مطار شانغي، أحد أحدث مطارات العالم ، بقلبٍ متلهف. بعد مرور قرابة 40 دقيقة عبر 12 محطة مترو، خرجت من محطة رافلز بليس ومشيت لبضع دقائق إلى فندق فوليرتون، وهو مبنى عتيق يقع على ضفاف نهر سنغافورة، حيث أقمت خلال أيام إقامتي في هذه الدولة الجزيرة.
في الأيام التالية في سنغافورة، أينما ذهبت، من المتاحف إلى مراكز التسوق، ومن الحي الصيني إلى مارينا باي، اخترتُ ركوب مترو الأنفاق. ليس فقط لراحته ودقته، بل لأن تجربة السفر نفسها أصبحت جزءًا أساسيًا من الرحلة.
نحن نستخدم خرائط جوجل وخريطة SG MRT للحصول على الاتجاهات خطوة بخطوة
الصورة: لي نام
من أكثر المحطات التي أبهرتني محطة بنكولن، وعندها شعرتُ وكأنني أسقط على الأرض. وقفتُ على السلم المتحرك، أنظر إلى الأسفل دون أن أرى القاع. كان عمقه أكثر من 35 مترًا، أي ما يعادل مبنى من 12 طابقًا، للوصول إلى الرصيف. المساحة الضيقة، والسلم المتحرك الطويل، والضوء الأبيض، كل ذلك خلق مشهدًا بصريًا مستقبليًا، أشبه بدخول فيلم خيال علمي.
بالانتقال إلى محطة بروميناد، صادفتُ سلالم متحركة أخرى متراكمة فوق بعضها البعض، تربط بين طوابق مختلفة من الخط. في لحظة ما، أثناء نزولي، نظرتُ إلى الجانب الآخر فرأيتُ شخصًا آخر... يصعد بموازاة لي في طابق سفلي. ظلّ هذا الشعور الغريب يُحيّرني، كما لو كنتُ أُجرّ إلى "متاهة رباعية الأبعاد".
مُذهلة بنظام المصاعد الشاهق، مما يخلق انطباعًا بصريًا قويًا للغاية
الصورة: لي نام
من المثير للاهتمام أننا لم نشعر بالخوف أو صعوبة التنفس رغم أننا كنا في أعماق هذه السلالم المتحركة. كان كل شيء منعشًا ونظيفًا و... هادئًا. لم يكن هناك سوى صوت خطوات الأقدام، وهدير مكيف الهواء، وصوت قطار يمر من حين لآخر.
في الأعلى... ناطحات السحاب.
وكان السؤال الذي ظل يتكرر في ذهني هو: كيف يبنون هذه الأشياء، مباشرة عند أسفل المباني الشاهقة؟
في فيتنام، مفهوم "الحفر قبل البناء" مألوف لدينا، لكن في سنغافورة، يبنون قبل البناء. أفهم أن معظم خطوط مترو الأنفاق هنا خُطط لها قبل تطوير المنطقة الحضرية. أي أنه قبل بناء أي ناطحة سحاب، كانت الحكومة قد حسبت مسبقًا "الممر تحت الأرض" لقطار الأنفاق.
يتم حفر النفق بواسطة آلة حفر عملاقة من طراز TBM، تحفر في الأرض على عمق يتراوح بين 20 و40 مترًا. عند الحفر في منطقة ذات أرض ضعيفة أو بالقرب من منشآت ضخمة، يرصد نظام الاستشعار كل مليمتر من الحركة، لضمان عدم تأثيره على الهيكل الموجود فوقه. بعد سماع هذا، لا يسعني إلا الإعجاب والتمني...
كيف تم بناء هذا النظام المترو الملحمي تحت أساسات هذه ناطحات السحاب؟
الصورة: لي نام
رغم أن كل شيء كان منظمًا ومرتبًا، إلا أنني ضللت طريقي. في محطة دوبي غوت، حيث تتقاطع ثلاثة خطوط، غيرت مساري وسلكت الاتجاه الخاطئ. كانت اللافتات واضحة، لكنني اعتمدت كثيرًا على الخريطة في ذهني بدلًا من النظر عن كثب إلى لوحة اسم المحطة. لذلك، اضطررت للعودة محطة واحدة.
يمكن أن تحتوي كل محطة مترو في سنغافورة على ما يصل إلى 4-6 مخارج، كل منها يقودك إلى حي أو مركز مختلف. إذا سلكت المخرج A بدلاً من المخرج D، فهنيئًا لك، ستمشي 500 متر إضافية حول مبنى ضخم.
بُني نظام النقل الجماعي السريع (MRT) في سنغافورة وبدأ تشغيله قبل نحو 40 عامًا. وحتى الآن، يعمل النظام منذ 38 عامًا، ويشهد توسعًا مستمرًا، ليصبح واحدًا من أكثر أنظمة المترو كفاءةً وحداثةً في العالم.
الصورة: لي نام
لكن أوقات ضياعي هي ما جعلني أستمتع بها. عثرتُ على مقهى صغير في وسط شارع أورشارد، أو على ممرّ لعرض الأعمال الفنية في بوغيس، لم يكن مُدرجًا على أي تطبيق سفر . ضائع، لكنني "أجد نفسي" - بالضبط نوع الرحلة الحضرية التي لطالما تمنيتها.
المصدر: https://thanhnien.vn/mot-ngay-troi-trong-thanh-pho-ngam-o-singapore-185250730134456567.htm
تعليق (0)