هجوم إسرائيل على إيران: نقطة تحول تاريخية
على الرغم من أن التقارير الأولية تشير إلى تدمير أو على الأقل "تدهور" العديد من مراكز القيادة العسكرية الرئيسية والمنشآت النووية الإيرانية، إلا أنه من السابق لأوانه تقييم فعالية العملية بشكل كامل. إن تدمير شبكة معقدة ومتفرقة ومحصنة بشكل كبير، مثل البرنامج النووي الإيراني، أمر غير مسبوق، حتى في عمليات إسرائيل السابقة ضد العراق (1981) أو سوريا (2007)، حيث كانت المفاعلات النووية الفردية أهدافًا عرضة للخطر.
الفارق الكبير هذه المرة يكمن في حجم وتعقيد النظام النووي الإيراني - وهو نظام مُجزأ، مُختبئ في أعماق الأرض، وقابل للتعافي السريع. حتى لو استمرت العملية أسبوعًا، كما أشارت مصادر عديدة، فمن المُستبعد أن تُدمر بالكامل الإمكانات النووية الإيرانية. قد تُحقق إسرائيل نتائج تكتيكية على المدى القصير، لكن آثارها الاستراتيجية على المدى الطويل موضع شك.
لا شك أن توقيت الهجوم الإسرائيلي كان قرارًا صائبًا في ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة والعالم . فقد تكبدت إيران خسائر فادحة جراء سلسلة من الهجمات "بالوكالة" - من حماس في غزة إلى حزب الله في لبنان - وهي الآن في موقف دفاعي. وتزداد عزلة سوريا، أقرب حلفاء طهران. وفي الوقت نفسه، ينجرف الغرب إلى حرب أوكرانيا، مما يُصعّب عليه الرد بقوة على أفعال تل أبيب. علاوة على ذلك، دأب البيت الأبيض بقيادة الرئيس دونالد ترامب على إظهار دعمه لإسرائيل، رغم المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية الجارية، بوساطة عُمان.
إيران ترد: الصراع يدخل مرحلة المواجهة المباشرة
بعد أقل من 24 ساعة من الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، شنت طهران أربع هجمات صاروخية متتالية كبيرة على الأراضي الإسرائيلية ليلة 14 يونيو. وشملت الأهداف سلسلة من المناطق الحضرية الرئيسية مثل تل أبيب والقدس وبئر السبع وغوش دان وريشون لتسيون، مما يدل بوضوح على أن إيران لم يعد لديها خيار "الوكالة" ولكن المشاركة المباشرة في الحرب، وهي نقطة تحول خطيرة.
أعلن القائد الجديد للحرس الثوري الإيراني الجنرال أحمد وحيدي أن أكثر من 150 هدفا عسكريا إسرائيليا تعرضت للهجوم ليلة 14 يونيو/حزيران، بما في ذلك منشآت استراتيجية عليا مثل: القواعد الجوية التي تضم مقاتلات الشبح F-35، F-15، F-16؛ وطائرات النقل والتزود بالوقود العسكرية؛ ومراكز القيادة والعمليات؛ وأنظمة الحرب الإلكترونية والاستخبارات؛ ومصانع إنتاج الأسلحة والذخائر والصواريخ الموجهة.
وكان أبرز ما في هذه الحملة هو الاستخدام الأول لإيران لصاروخ باليستي يطلق من غواصة، مما يمثل قفزة نوعية في التكنولوجيا العسكرية ويوضح قدرتها على الضرب بدقة من منصات غير تقليدية، وهو ما يمثل تغييراً كبيراً بالنسبة لإسرائيل.
ورغم أن إسرائيل تمتلك شبكة دفاعية حديثة متعددة الطبقات تشمل صواريخ آرو (حيتس)، وثاد، ومقلاع داود، والقبة الحديدية، فإن بعض الصواريخ لا تزال تخترق، وتصيب المباني التابعة لوزارة الدفاع ووزارة الأمن القومي في تل أبيب، "قلب" القوة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
قال الخبير العسكري دميتري كورنيف، مؤسس بوابة "روسيا العسكرية"، إن التكلفة الحالية للاعتراض باهظة للغاية بحيث يصعب تحملها على المدى الطويل، في حين أن فعاليتها محدودة بشكل واضح. فرغم نجاح أنظمة مثل القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ غير الموجهة مثل قسام وغراد، إلا أنها ليست مثالية للصواريخ الباليستية التكتيكية دقيقة التوجيه. فالصواريخ الأسرع من الصوت ذات القدرة على المناورة أو الرؤوس الحربية الوهمية المتعددة ستُثقل كاهل أنظمة الدفاع الجوي الحالية، مما يكشف عن ضعف إسرائيل الاستراتيجي في سيناريو حرب شامل.
في حال نشوب صراع شامل، قد يتعرض تفوق إسرائيل لتحدٍّ خطير. أولًا، سيهتز التفوق الجوي إذا تضررت قواعد مقاتلات إف-35 وإف-16، مما يُضعف قدرة إسرائيل على الهجوم الجوي المضاد، وهو عماد عقيدتها العسكرية. ستتعطل قدرة إسرائيل على تنسيق العمليات، وخاصةً الاستخبارات والقيادة. كما أن هجمات إيران على مراكز القيادة والسيطرة والمباني الحكومية ستُبطئ القدرة على تنسيق ردٍّ وطني.
مع ارتفاع درجة حرارة الشرق الأوسط، هل تبرد أوروبا الشرقية؟
من وجهة نظر روسيا، تكمن المفارقة في أن أوكرانيا، الدولة التي تبعد آلاف الأميال عن الشرق الأوسط، قد تكون الخاسر الأكبر غير المباشر. ويعود ذلك إلى عدة أسباب: أولًا، يُصرف الصراع الإسرائيلي الإيراني الانتباه الدولي عن الحرب في أوكرانيا. سينجذب الإعلام والرأي العام، وحتى الموارد السياسية، إلى الشرق الأوسط، الذي يُعتبر "بؤرة توتر دائمة" في العالم.
ثانيًا، إعادة توزيع المساعدات العسكرية الأمريكية، التي تتعرض لضغوط مالية وسياسية داخلية. إذا اضطرت واشنطن للاختيار بين إسرائيل المهددة وجوديًا وأوكرانيا المنهكة من صراعها العسكري مع روسيا، فقد تتغير الأولويات الاستراتيجية الأمريكية ضد كييف.
ثالثا، من المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط بسبب المخاوف من انقطاع الإمدادات من الخليج إلى تغذية ميزانية الحرب الروسية، التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، والتي من شأنها أن تعرض الجهود الغربية لقطعها للخطر بشكل خطير.
رابعًا، يُقوّض هذا حجة الغرب القانونية الداعية إلى "الحرب العادلة". فعندما تُنفّذ إسرائيل، الحليف الوثيق، غارات جوية ضد دولة ذات سيادة دون موافقة الأمم المتحدة، تضعف حجة الغرب في معارضة العمليات الخاصة الروسية. قد ترى روسيا في ذلك "فرصة ذهبية" لتكثيف هجماتها على المدن الأوكرانية وبنيتها التحتية العسكرية واللوجستية، في حين يُحرم خصومها من المساعدات.
يجادل كثيرون بأن الوضع الحالي يُجسّد مبدأً جيوسياسيًا راسخًا: فالأفعال في منطقة ما قد تُؤثّر على أخرى. قد تعتقد إسرائيل أنها تتصرف بما يخدم أمنها، لكن عواقب هذا الهجوم ستتجاوز حدود الشرق الأوسط بكثير. فهو لا يُخاطر فقط بإشعال حرب إقليمية (مع احتمالية استدراج الولايات المتحدة ودول أخرى)، بل يُزعزع أيضًا ترتيب الأولويات الاستراتيجية العالمية.
هونغ آنه (مساهم)
المصدر: https://baothanhhoa.vn/trung-dong-ruc-lua-dong-au-cang-minh-the-gioi-ben-bo-hon-loan-252367.htm
تعليق (0)