تُعتبر فرص الأعمال في منطقة آسيان جذابة، ومن بينها فيتنام كوجهة واعدة.
متجاوزًا الصين، رابطة دول جنوب شرق آسيا يجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التصنيع. حتى الصين تُركز استثماراتها بشكل أكبر على جنوب شرق آسيا. وقد أثرت هذه المؤشرات الجديدة أيضًا على فيتنام، بصفتها عضوًا في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وشريكًا تجاريًا للصين.
أصدرت مؤسسة FDI Markets مؤخرا بيانات تظهر أن الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التصنيع أصبح الآن أكبر من الاستثمار في الصين، وقالت إن هذا يمكن اعتباره دليلا على الرأي القائل بأن "مكسب الآسيان يعني خسارة الصين" في سياق التوترات الجيوسياسية التي تدفع الشركات الدولية إلى التنويع. الموردين هُم.

ومع ذلك، يرى خبراء HSBC أن هذا الاستنتاج يفتقر إلى حقيقتين ولا يعكس الوضع الفعلي بشكل كامل. وصرحت السيدة أماندا مورفي، رئيسة الخدمات المصرفية التجارية لجنوب وجنوب شرق آسيا في HSBC آسيا والمحيط الهادئ : "تتعاون رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين في التجارة والاستثمار".
وكدليل على هذا الرأي، ووفقًا لخبراء بنك HSBC، فإن الشركات المصنعة الصينية نفسها تُوسّع عملياتها في جنوب شرق آسيا. وتُظهر بيانات أسواق الاستثمار الأجنبي المباشر أيضًا أن ثلث الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التصنيع في المنطقة العام الماضي جاء من الصين، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الاستثمارات من الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية أو اليابان. وفي فيتنام وحدها، زادت الشركات المصنعة الصينية الرائدة استثماراتها في عام 2023، حيث جاء ما يقرب من 20% من الاستثمار الأجنبي المباشر المُسجل حديثًا من الصين، مُمثلةً بذلك أكبر حصة بين المستثمرين في فيتنام.
ثانيًا، ما لا تعكسه المؤشرات الرئيسية هو أن استثمارات الصين في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لا تقتصر على التجميع منخفض التكلفة، بل تشمل أيضًا التصنيع المتقدم والتكنولوجيا المتقدمة، وحتى الخدمات المهنية. والصين ليست فقط أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في رابطة دول جنوب شرق آسيا، بل إن استثماراتها في المنطقة مدفوعة بنقاط القوة الأساسية لرابطة دول جنوب شرق آسيا، وليس فقط بطموحات أصغر حجمًا مثل تنويع سلسلة التوريد أو خفض تكاليف الإنتاج.
بعد دراسة الوضع عن كثب، قال السيد أحمد ييجانه، رئيس الخدمات المصرفية التجارية في بنك إتش إس بي سي فيتنام: "نلاحظ توجهًا استثماريًا واضحًا في قاعدة عملائنا". وأشار بنك إتش إس بي سي إلى أن عدد الشركات الصينية التي تدخل أسواقًا جديدة في جنوب شرق آسيا في عام 2023 قد ارتفع بنسبة 80% مقارنةً بعام 2022. وأكد السيد أحمد ييجانه: "عملاؤنا الصينيون مهتمون بالتوسع في سنغافورة، يليهم فيتنام وتايلاند وماليزيا وإندونيسيا".
يُعزى جاذبية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) إلى فرص النمو، وفقًا للخبراء. وقد أظهر استطلاع رأي أجراه بنك HSBC العام الماضي على 3500 شركة عالمية أن القوى العاملة الماهرة، والاقتصاد الرقمي المتنامي، والأجور التنافسية، والسوق الإقليمية الكبيرة نسبيًا، هي عوامل الجذب الرئيسية لرابطة دول جنوب شرق آسيا، بما في ذلك فيتنام. ووفقًا لأحمد ييغانه، أفاد 28% من الشركات المشاركة في الاستطلاع بأن استقرار الاقتصاد الفيتنامي شرط أساسي لجذب الشركات الدولية. ويُعرف اقتصاد فيتنام بنمو قوي في الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يحقق أسرع نمو في رابطة دول جنوب شرق آسيا بنسبة 6.5%.
في الواقع، تعد رابطة دول جنوب شرق آسيا بالفعل أكبر شريك تجاري للصين، وتوفر المنطقة فرص نمو متنوعة للشركات الصينية، وذلك بفضل أساسياتها الاقتصادية القوية، وقدرات التصنيع المتطورة بشكل متزايد، والكفاءة في سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية، والتشابه الثقافي، والطبقة المتوسطة المتنامية.
وقد قام خبراء HSBC بتحليل ذلك بالنسبة لفيتنام، الصين أصبحت الصين وفيتنام شريكين تجاريين، إذ يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 106 مليارات دولار أمريكي، ويتركز معظمه في قطاعات الإلكترونيات والمنسوجات والآلات. وخلال السنوات العشر التي تلت عام 2014، تطورت العلاقات التجارية بين الصين وفيتنام لتصبح من بين أكبر 20 ممرًا تجاريًا في العالم. وتعني الاتفاقيات الإقليمية، مثل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، أن الروابط الاقتصادية بين الصين وفيتنام ستستمر في التنامي، مع تركيز أكبر على التحول الرقمي.
وفقًا لتقرير e-Conomy SEA 2023، تُعدّ فيتنام أسرع الاقتصادات الرقمية نموًا في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، بمعدل نموّ مذهل يبلغ 20%. ومن حيث إجمالي قيمة المعاملات، تتمتع فيتنام بالقدرة على أن تصبح ثاني أكبر سوق للتكنولوجيا الرقمية في المنطقة بحلول عام 2030، بعد إندونيسيا فقط. وسيتحقق هذا النموّ المتوقع بفضل منظومة تجارة إلكترونية سريعة التطور، مدعومة بقاعدة مستهلكين متنامية، ومن المتوقع أن تصبح عاشر أكبر سوق استهلاكية في العالم بحلول عام 2030، متجاوزةً ألمانيا والمملكة المتحدة وتايلاند.
من واقع التجارة والاستثمار، يرى الخبراء أن التآزر بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) واضحٌ للغاية. فعلى مدى العقود القليلة الماضية، تولّت الصين زمام المبادرة في العديد من القطاعات التي تُشكّل اقتصاد اليوم، مثل الرقمنة، والتصنيع المتقدم، والطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية. ويعني مسار نمو رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) أن المنطقة تتمتع أيضًا بمكانة تُمكّن دولها من إنتاج أو تطوير منتجات في هذه القطاعات، وهناك طلب كبير على هذه المنتجات. وستواصل الفرص والقرب الجغرافي ونقاط القوة التكاملية دفع عجلة نمو العلاقات الاقتصادية بين آسيان والصين، بما في ذلك فيتنام.
مصدر
تعليق (0)