وبعد أن أصبح المحرك الذي اخترعه معروفًا على نطاق واسع، اختفى رودلف ديزل أثناء وجوده على متن سفينة، تاركًا وراءه العديد من الأسئلة.
وُلد رودولف ديزل لعائلة ألمانية مقيمة في فرنسا عام ١٨٥٨. في الرابعة عشرة من عمره، كتب ديزل إلى والديه مُعربًا عن رغبته في أن يصبح مهندسًا. ورغم الصعوبات المالية التي واجهتها عائلته، ورغبتها في تركه الدراسة والعمل، ثابر ديزل والتحق بجامعة ميونيخ التقنية المرموقة. وتخرج منها عام ١٨٨٠ بتفوق.
بعد سنوات من العمل في مجال التبريد، بدأ ديزل أبحاثه حول المحركات البخارية عام ١٨٩٠. كان مهتمًا بالكفاءة الحرارية وكفاءة الوقود. وبصفته خبيرًا في الديناميكا الحرارية، كان ديزل قلقًا بشأن هدر ما يصل إلى ٩٠٪ من طاقة الوقود في المحركات البخارية.
رودولف ديزل، مخترع محرك الديزل. الصورة: ويكيميديا كومنز
للتغلب على هذا العيب، بنى في البداية محركًا باستخدام بخار الأمونيا. لكن التجربة باءت بالفشل، فانفجر المحرك، وكاد أن يُودي بحياة ديزل. بعد الحادث، تدهورت صحته بشكل خطير، كما عانى ديزل من مشاكل في بصره.
ومع ذلك، لم ييأس، وبعد سنوات طويلة من الجهد، وُلد محرك الديزل. كان محرك الديزل أكثر كفاءة من محرك البنزين، إذ استخدم الهواء المضغوط لإشعال الوقود بدلاً من الشرارة الكهربائية، مما سمح له بإنتاج طاقة أكبر من نفس كمية الوقود.
في عام ١٨٩٧، طُوِّر أول محرك ديزل كامل. واصل ديزل العمل على اختراعه خلال السنوات القليلة التالية. أسس شركة محركات الديزل عام ١٨٩٨، واستُخدم اختراعه في الصناعة والشحن.
في مساء يوم 29 سبتمبر 1913، وفي سن 55 عامًا، اختفى أثناء وجوده على متن سفينة إس إس دريسدن المتجهة من أنتويرب، بلجيكا، إلى هارويتش، إنجلترا.
تناول ديزل عشاءه وعاد إلى مقصورته حوالي الساعة العاشرة مساءً. وعندما جاء المضيف لإيقاظه في صباح اليوم التالي، بناءً على طلب ديزل، كان قد رحل. لم يكن هناك أي أثر على استخدام ديزل للسرير؛ كان ثوب نومه لا يزال مرتبًا بعناية، وساعته على طاولة السرير. في الخارج، على ظهر السفينة، وجد الطاقم قبعة ديزل ومعطفه مطويين بدقة.
بعد اختفاء زوجها بفترة وجيزة، فتحت زوجة ديزل الحقيبة التي تركها لها قبل رحلته، والتي طلب منها ألا تفتحها لمدة أسبوع. وجدت بداخلها 20 ألف مارك ألماني (ما يعادل حوالي 120 ألف دولار أمريكي بأسعار اليوم) وعدة كشوفات حسابات مصرفية تُظهر أن حساباتهم كانت شبه فارغة. وبالنظر إلى مذكراته، تبين أنه وضع علامة (×) بجوار تاريخ اختفائه.
بعد عشرة أيام، عثر طاقم سفينة كورتسن على جثة متحللة بشدة في شرق شيلدت. اعتبر الطاقم الجثة غير قابلة للتعرّف عليها، وقرروا إعادتها إلى البحر بعد الاحتفاظ بممتلكاتهم الشخصية.
في ١٣ أكتوبر ١٩١٣، سُلّمت هذه العناصر إلى يوجين، ابن ديزل، الذي تعرّف عليها على أنها لوالده. دفع وضع علامات على المذكرات والصعوبات المالية الكثيرين إلى الاعتقاد بأن ديزل انتحر.
لكن هذا التكهن لم يقنع الجميع، ونشأت عنه سلسلة من الفرضيات.
اقترح البعض أن ديزل ربما تعرض لحادث أثناء سيره على سطح السفينة ليلًا وسقط فوق السور. كان يعاني من مشاكل صحية لسنوات، لذا يُحتمل أن تكون نوبة قلبية أو سكتة دماغية قد تسببت في سقوطه في الماء.
يعتقد آخرون أن ديزل تظاهر بوفاته هربًا من ضائقة مالية. كان مخترعًا بارعًا، لكنه لم يكن مستثمرًا بارعًا، ويُشتبه في أنه هرب ليبدأ حياة جديدة.
رغم أن ديزل كان يعاني ماليًا، إلا أن الأمور كانت تتحسن بحلول وفاته. ازدادت شعبية محركه، وبدأ يحل محل المحركات البخارية في العديد من التطبيقات.
هذا يقود إلى نظرية المؤامرة الأكثر شيوعًا، والتي تُفيد بأن ديزل قُتل لمنع وصول اختراعه إلى البريطانيين. اختفى ديزل أثناء توجهه إلى إنجلترا للقاء ممثلي البحرية الملكية، الذين كانوا حريصين على دراسة فكرة استخدام محركات الديزل في غواصاتهم.
أثارت الرحلة غضب الجيش الألماني، الذي كان قد رفض سابقًا منحهم حق الاستخدام الحصري لمحركاته. مع ذلك، لم تكن هناك أدلة دامغة على اغتيال ديزل.
فيما يتعلق بفرضية انتحار ديزل، السؤال هو: لماذا جهّز بيجامته قبل العملية؟ لماذا أراد ديزل الانتحار بينما أرادت أكبر قوة بحرية في العالم شراء محركاته؟
من المرجح ألا تُجاب هذه الأسئلة أبدًا. ومع ذلك، ورغم الغموض الذي يكتنف اختفائه، كان لاختراعه محرك الديزل تأثيرٌ بالغٌ على العالم، إذ ساهم في تشكيل قطاعي النقل والصناعة الحديثين.
فو هوانغ (وفقًا للأسرار التاريخية والزمن )
[إعلان 2]
رابط المصدر
تعليق (0)