مخاوف من تصاعد الإرهاب من الفناء الخلفي لروسيا

كان المشتبه بهم الأربعة في الهجوم الإرهابي على مسرح في ضواحي العاصمة الروسية جميعهم من طاجيكستان، الحليف في آسيا الوسطى الذي يعتبر الفناء الخلفي لموسكو.

أعلن تنظيم داعش-خراسان، الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مسؤوليته عن الهجوم. كما أعلنت الحكومة الأمريكية وقوف التنظيم وراء الهجوم، مشيرةً إلى أنها جمعت معلومات استخباراتية عن التهديد الإرهابي الذي يشكله داعش في أوائل مارس/آذار، وحذرت روسيا.

مع ذلك، لم يكن المشتبه بهم الأربعة في الهجوم من أفغانستان، بل كانوا جميعًا من مواطني طاجيكستان، وهي دولة في آسيا الوسطى كانت في السابق جزءًا من الاتحاد السوفيتي، وتربطها علاقات تاريخية وطيدة بروسيا. طاجيكستان الآن عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) التي تقودها روسيا، وهو تحالف لطالما أمل الرئيس فلاديمير بوتين أن يصبح نسخةً منه على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو).

طاجيكستان، دولة يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، تقع بين أوزبكستان وأفغانستان وقيرغيزستان والصين، وهي أفقر دول الاتحاد السوفيتي السابق. تزخر طاجيكستان بالموارد المعدنية، إلا أنها لم تُستغل بالكامل بسبب انخفاض الاستثمار الأجنبي ونقص البيانات الجيولوجية.

دفع الفقر والبطالة العديد من الطاجيك إلى روسيا بحثًا عن عمل. ويُقدر عدد العمال المهاجرين الطاجيك في روسيا حاليًا بثلاثة ملايين، يعمل معظمهم في وظائف منخفضة الأجر في قطاعات البناء أو التصنيع أو تنظيف المراحيض العامة.

عائلة تستعد لخبز الخبز في منزلها بقرية دخانا كييك، طاجيكستان. الصورة: أسوشيتد برس

ورغم أن روسيا تعتمد بشكل متزايد على العمال المهاجرين لتلبية احتياجاتها من الوظائف المحلية، فإن المواقف الروسية تجاه الأشخاص القادمين من آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز ليست إيجابية بشكل عام.

في طاجيكستان اليوم، يكاد يكون من المستحيل على خريجي الجامعات العثور على وظائف بأجر كافٍ لإعالة أسرهم. ونظرًا لفقرهم، فهم أهداف سهلة للمجندين الإسلاميين المتطرفين.

إلى جانب الفقر، يعجّ المجتمع الطاجيكي بالتوترات الدينية. كان المسلمون المحافظون من القوى الرئيسية التي حاربت الحكومة خلال الصراع الذي دار بين عامي ١٩٩٢ و١٩٩٧، والذي خلّف أكثر من ١٥٠ ألف قتيل ودمّر الاقتصاد .

وبعد ذلك أصدر الرئيس إمام علي رحمانوف العديد من التدابير الصارمة لمنع الصراعات الدينية، مثل تقييد بناء المساجد ومنع النساء والأطفال دون سن 18 عامًا من الذهاب إلى المساجد.

يُشكّل شبح الإسلام المتطرف القادم من أفغانستان المجاورة دافعًا آخر للسيد رحمانوف لتطبيق هذه السياسات. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذه القيود الصارمة ساهمت في ترويج الدعاية الإسلامية المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي في طاجيكستان.

ويقال إن صعود الإسلام المتطرف، إلى جانب الحياة الصعبة في وطنهم، هو "الوصفة المثالية" التي أدت إلى انخراط أربعة من المشتبه بهم الطاجيك في أنشطة إرهابية.

وكان المشتبه به داليرجون ميرزوييف (32 عاما) قد دخل روسيا للبحث عن عمل وحصل على تصريح إقامة مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر في مدينة نوفوسيبيرسك السيبيرية، لكن التصريح انتهى.

تم التعرف على المشتبه به، سعيد أكرامي راشاباليزود، البالغ من العمر 30 عامًا، بأنه دخل روسيا في 6 مارس/آذار كعامل مهاجر، لكنه لم يُسجل إقامته القانونية. كان راشاباليزود قد جاء إلى روسيا للعمل، وأُلقي القبض عليه عام 2018 بتهمة انتهاك فترة الإقامة المؤقتة للمهاجرين. ثم غُرِّم المشتبه به 2500 روبل، ورُحِّل من روسيا.

وكان المشتبه به الأصغر سنا، محمدسوبير فايزوف (19 عاما)، قد جاء إلى روسيا للعمل في مجال حلاقة الشعر وسجل نفسه كمقيم مؤقت في مدينة إيفانوفو شرقي موسكو.

شمس الدين فريدوني، البالغ من العمر 25 عامًا، والذي تم تحديده كزعيم للمجموعة، كان يعمل في مصنع لمواد البناء في مدينة بودولسك، جنوب غرب موسكو. كما عمل فني إصلاح وبوابًا في كراسنوغورسك، إحدى ضواحي موسكو، حيث يقع مركز كروكوس سيتي هول للتسوق ومجمع المسارح.

موقع روسيا وطاجيكستان. رسم بياني: أطلس العالم

لكن الجماعات التابعة لتنظيم داعش تبنت الهجمات الإرهابية منذ عام ٢٠١٥. بعد إعلان داعش وجوده في سوريا والعراق في يونيو/حزيران ٢٠١٤، انضم آلاف الأشخاص إلى الجماعة المتطرفة، بمن فيهم مئات من طاجيكستان.

ومن أبرز المنضمين إلى داعش جولمورود حليموف، الذي كان ضابطاً في القوات الخاصة الطاجيكية قبل انشقاقه وانضمامه إلى داعش في سوريا عام 2015.

تُعتبر الحملة الروسية أحد أهم أسباب هزيمة داعش في سوريا. تراجعت فلول داعش إلى الصحراء لاستعادة قواتها، وزادت من استهدافها لروسيا، معتقدةً أن موسكو "اضطهدت الإسلام".

أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن تفجير طائرة روسية عام ٢٠١٥ كانت تقل سياحًا عائدين من منتجع شرم الشيخ المصري. وبعد عامين، أعلنت مسؤوليتها عن تفجير انتحاري في مترو سانت بطرسبرغ، أسفر عن مقتل ١٥ شخصًا.

قبل أسبوعين من هجوم مسرح كروكس، أعلنت قوات الأمن الروسية مطاردة عناصر من داعش كانوا يخططون لهجوم على كنيس يهودي في موسكو. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت مقتل ستة مسلحين من داعش في منطقة إنغوشيتيا، المحاذية للشيشان.

قوات الأمن الروسية في مسرح كروكوس سيتي هول في كراسنوجورسك، منطقة موسكو في 22 مارس/آذار. الصورة: ريا نوفوستي

ويقول المراقبون إن رد روسيا على هجوم مسرح كروكوس قد يؤدي أيضا إلى إحداث شرخ بينها وبين طاجيكستان، أحد حلفائها التقليديين في آسيا الوسطى.

شهدت العلاقات بين روسيا وطاجيكستان توتّرًا في الماضي، إذ تآكل نفوذ موسكو في "حديقتها الخلفية" بسبب الصراع في أوكرانيا. وأعلنت أرمينيا، وهي دولة من آسيا الوسطى وعضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، في فبراير/شباط تعليق مشاركتها في معاهدة الأمن الجماعي، وهي خطوة اعتُبرت ضربةً لصورة روسيا في المنطقة.

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، طالب الرئيس رحمانوف روسيا بشدة باحترام طاجيكستان. وقال إن طاجيكستان اضطرت إلى "التوسل" إلى روسيا لحضور منتدى رابطة الدول المستقلة الذي عُقد على أرضها. وأضاف: "لم تعاملنا روسيا قط كشركاء استراتيجيين. نريد الاحترام".

قد تشهد العلاقات الثنائية مزيدًا من الصعوبات، إذ يُرجّح أن تُعيد روسيا النظر في سياستها الرامية إلى تشجيع الهجرة من آسيا الوسطى، وفقًا لمراقبين. وإذا شدّدت روسيا سياستها المتعلقة بالهجرة، فستتأثر حياة حوالي ثلث سكان طاجيكستان بشدة، مما سيزيد الضغوط على البلاد.

ثانه تام (وفقًا لـ The Conversation وBusiness Insider وAP )

رابط المصدر: https://vnexpress.net/noi-lo-khung-bo-troi-day-tu-san-sau-cua-nga-4726576.html