وشكلت العملية، التي انطلقت من قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي باستخدام قاذفات استراتيجية من طراز بي-2 وصواريخ كروز تطلقها الغواصات، تصعيدا كبيرا في التوترات المتصاعدة بالفعل بين واشنطن وطهران.
نقطة تحول في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران
وقالت مصادر دفاعية إن هدف العملية هو تعطيل قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم وتقليص قدرتها على تطوير برنامج نووي في المستقبل القريب.
تعرّضت فوردو لضربةٍ أشدّ، حيث أسقطت ستّ قاذفات بي-2 ١٢ قنبلةً خارقةً للتحصينات من طراز GBU-57A/B. وتعرّضت نطنز، التي سبق أن تعرّضت لهجوم، لضربةٍ أخرى، بينما تعرّضت أصفهان لسلسلةٍ من صواريخ توماهوك المُطلقة من الغواصات.
وتم تنفيذ العملية في فترة زمنية قصيرة، مما أدى إلى تعظيم عنصر المفاجأة والحد من الرد الدفاعي الإيراني.
قاذفة الشبح الأمريكية B-2.
أعلن القادة الأمريكيون أن العملية "ألحقت أضرارًا لا يمكن إصلاحها أو دمارًا كاملًا" بالمنشآت النووية الثلاث. ولم تُفصح إيران بعد عن معلومات كاملة عن حجم الأضرار، بينما دعا المجتمع الدولي إلى ضبط النفس وإجراء تحقيق مستقل للتحقق من الوضع الفعلي على الأرض.
وبحسب خبراء عسكريين فإن الهجوم الأميركي الحالي على المنشآت النووية الإيرانية يتميز ببعض الخصائص الخاصة، سواء في طريقة تنفيذه أو في طريقة إبلاغه.
أولاً، يُمثل إعلان العملية تحولاً ملحوظاً في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع المعلومات المتعلقة بالعمليات العسكرية واسعة النطاق. كان الرئيس دونالد ترامب أول من أعلن عن العملية، عبر حسابه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل إلقائه خطاباً رسمياً للأمة. يُشير الإعلان عبر هذه المنصة غير التقليدية والشخصية إلى أن اتخاذ القرار والتحكم في المعلومات يتمان مركزياً ضمن مجموعة داخلية محدودة للغاية، وهو ما يُمثل اختلافاً واضحاً عن العمليات العسكرية التقليدية، التي تتطلب تنسيقاً مكثفاً بين الإدارة وجهاز الدفاع.
ثانيًا، أُطلقت العملية دون انتظار دخول القوة البحرية الرئيسية، بقيادة حاملة الطائرات يو إس إس نيميتز، إلى منطقة العمليات. وهذا يُظهر أن العملية لا تعتمد على الوجود المباشر لمجموعة حاملة الطائرات الهجومية، التي تُعتبر رمزًا للردع التقليدي الأمريكي.
بدلاً من ذلك، تُنشر القوة الضاربة الرئيسية من غواصة صواريخ كروز، يُحفظ موقعها سراً عند الإطلاق. وبفضل مدى صاروخ كروز توماهوك الذي يصل إلى 1800 كيلومتر، يمكن إطلاق الصواريخ من البحر الأبيض المتوسط، أو بحر العرب، أو حتى شمال المحيط الهندي، مما يُمكّن واشنطن من شن هجوم مباغت مع ضمان سلامة مركبة الإطلاق.
ثالثًا، تعمدت الولايات المتحدة عدم استخدام أيٍّ من القواعد العسكرية لحلفائها في الشرق الأوسط لتنفيذ العملية. أُخليت قاعدة العديد الجوية في قطر، التي كانت مركز التنسيق الرئيسي للقوات الجوية الأمريكية في المنطقة، بالكامل من الطائرات العسكرية قبل أيام قليلة من العملية. ولوحظت خطوة مماثلة في مجمع إسكان العسكري في المملكة العربية السعودية. لم تُسهم هذه الإجراءات في تجنب ردود الفعل الدبلوماسية السلبية من الشركاء الإقليميين فحسب، بل زادت أيضًا من السرية وقللت من خطر تسريب المعلومات الاستراتيجية قبل الهجوم.
وفقًا لتقرير صادر عن البنتاغون، انطلقت قاذفات بي-2 سبيريت الاستراتيجية المشاركة في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية من قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميسوري الأمريكية. في البداية، قيل إن السرب كان متجهًا إلى قاعدة أندرسن الجوية في جزيرة غوام.
لكن الخطط تغيرت في الجو، وكانت الوجهة النهائية للعملية هي دييغو غارسيا، وهي قاعدة أميركية استراتيجية تقع على جزيرة مرجانية في وسط المحيط الهندي، حيث تم إطلاق عمليات الهجوم الفعلية.
وقد تم استخدام منظومة دييغو غارسيا في عمليات عسكرية سابقة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ويظهر اختيارها مستوى التخفي والتنقل الاستراتيجي للقوات الأميركية في المنطقة.
واشنطن تزعم النجاح وطهران تنفي وقوع أضرار
في الولايات المتحدة، أثار قرار مهاجمة إيران موجةً من ردود الفعل المتباينة في الأوساط السياسية . أعرب بعض أعضاء الكونغرس والشيوخ، بمن فيهم أعضاء في الحزب الديمقراطي، عن دعمهم للعملية، واصفين إياها بـ"الرادع الضروري" ضد طموحات إيران النووية.
لكن كثيرين آخرين انتقدوا بشدة عملية صنع القرار التي يقوم بها الرئيس دونالد ترامب، زاعمين أنه انتهك الإجراءات الداخلية لتنسيق العمليات العسكرية، وخاصة دون موافقة صريحة من الكونجرس - وهو شرط أساسي للأعمال العسكرية واسعة النطاق بموجب الدستور الأميركي وقرار صلاحيات الحرب.
ومن الجدير بالذكر أن النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز (ديمقراطية من نيويورك) انتقدت هذا الإجراء علنًا، ووصفت الهجوم بأنه "عمل تجاوز خطير" وألمحت إلى أن هذا قد يكون سببًا لعزل الرئيس.
ودعت أيضًا إلى استقالة وزير الدفاع بسبب فشله في اتباع العملية التشريعية المطلوبة، وهي وجهة نظر تمثل شريحة من المشرعين التقدميين في الكونجرس الذين يحذرون من الأعمال العسكرية الأحادية الجانب والافتقار إلى الشفافية من جانب السلطة التنفيذية.
مع ذلك، ورغم الانقسام السياسي، أبدى معظم المشرعين، بمن فيهم شريحة كبيرة من الديمقراطيين، إعجابهم بعزيمة الإدارة وسرعة ردها. وجادل كثيرون بضرورة اتخاذ إجراء حاسم في هذا الوقت للحفاظ على الردع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل التوترات الإقليمية التي تهدد بالامتداد.
ردّت طهران بشدة على الهجوم الأمريكي المُنسّق على ثلاث منشآت نووية إيرانية، متهمةً واشنطن باتباع "مسار تصعيد خطير". مع ذلك، حاولت إيران أيضًا التقليل من شأن الأضرار الناجمة عن الهجوم، واصفةً إياه بأنه "إهدارٌ لموارد وميزانية الولايات المتحدة". وفي تصريحات رسمية، أصرت إيران على أن برنامجها النووي لا يزال سلميًا وسيواصل تطويره رغم التهديدات الخارجية.
وفقًا للمعلومات التي قدمتها طهران، لم يُلحق الهجوم أضرارًا "لا يمكن إصلاحها" بالصناعة النووية في البلاد. لم تُدمر أي منشأة بالكامل أو تُلحق بها أضرار جسيمة. والأهم من ذلك، أكدت إيران أن أجهزة استخباراتها كانت لديها معلومات أولية عن إحداثيات الهجوم، مما مكّنها من إجلاء معظم الأفراد والمعدات الحيوية بنجاح من منشأة فوردو قبل الهجوم.
من منظور استراتيجي، اعتُبرت العملية الأمريكية بمثابة "تحذير صارم". في خطابه عن حالة الأمة، أكد الرئيس دونالد ترامب أن الهدف الرئيسي من العمل العسكري هو إجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط واشنطن. كما أشار الجمهوريون إلى أن "وقت السلام" قد حان في الشرق الأوسط، في إشارة ضمنية إلى إمكانية تكرار العملية العسكرية (أو توسيع نطاقها) إذا لم تستجب إيران للمطالب الأمريكية والإسرائيلية.
ومن الناحية النظرية، يُنظر إلى هذه الخطوة أيضاً باعتبارها دليلاً واضحاً على التزام أميركا الاستراتيجي تجاه إسرائيل، فضلاً عن كونها رادعاً ضد الانتقام المحتمل من جانب النخب المتشددة داخل إيران.
ومع ذلك، تشير ردود الفعل الأولية من طهران إلى أن الحملة ربما أتت بنتائج عكسية.
"محور المقاومة" جاهز للتحرك؟
أعلنت إيران أنها "استنفدت جميع الإمكانيات الدبلوماسية" وهددت بالرد إذا استمرت الولايات المتحدة في التدخل. كما أبدت قوى تابعة لـ"محور المقاومة" بقيادة طهران في المنطقة، بما في ذلك الحوثيون في اليمن وقوات الحشد الشعبي شبه العسكرية في العراق، استعدادها للرد على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
ورغم صمت حزب الله في لبنان، فقد سجلت إسرائيل أنشطة عسكرية غير عادية للقوة بالقرب من الحدود الشمالية، وهي إشارة محتملة إلى استعدادات قتالية.
يعتقد الكثيرون أن الرد العسكري الفوري من إيران مستبعد. ويبدو أن قادة إيران يفضلون ردًا مدروسًا. والهدف هو تجنب الانجرار إلى حرب شاملة مع الحفاظ على المبادرة الاستراتيجية.
هل لا يزال باب المفاوضات مفتوحًا؟ أملٌ في وساطة من الاتحاد الأوروبي وروسيا.
لا يزال هناك اعتقادٌ داخل إيران بقدرتها على تشكيل ثقلٍ دبلوماسيٍّ موازنٍ قويٍّ بما يكفي لاحتواء الولايات المتحدة. فبالإضافة إلى جهود الضغط داخل الاتحاد الأوروبي، وخاصةً من خلال الاجتماعات المكثفة على مستوى وزارات الخارجية مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، تُعلّق طهران آمالًا كبيرةً على دور الوساطة الروسي. ومن المقرر أن يلتقي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 23 يونيو/حزيران لمناقشة البرنامج النووي السلمي والرد الدولي على العمل العسكري الأمريكي.
بينما تلعب روسيا حاليًا دور المراقب الحذر في الصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل، لا تزال تتمتع ببعض النفوذ الدبلوماسي والأمني الذي قد يُسهم في تخفيف التوترات الإقليمية. وإن لم تتمكن من منع اندلاع الأعمال العدائية تمامًا، فإن روسيا - نظرًا لموقعها الفريد في العلاقة الثلاثية (إيران، إسرائيل، الولايات المتحدة) - قادرة على المساعدة في منع تفاقم الوضع.
هونغ آنه (مساهم)
المصدر: https://baothanhhoa.vn/bong-ma-chien-tranh-tro-lai-trung-dong-tac-dong-va-hau-qua-tu-cuoc-tan-cong-cua-my-vao-iran-252931.htm
تعليق (0)