خليل دومان، البالغ من العمر 68 عامًا، والذي أمضى أكثر من ثلاثة عقود في مطاعم دونر ببرلين، يُحدّق بتأمل في أسياخ اللحم المفروم الدوارة. في مطعمه الصغير "بيرغامون دونر" بمحطة فريدريش شتراسه، لا يزال طابور الناس ينتظرون الغداء قائمًا، لكن ابتسامة صاحبه قد تلاشت.
قال المواطن التركي: "الأمور تزداد صعوبة. المواد الخام ترتفع أسعارها، ونحن بالكاد نحقق أي ربح".
سعر شطيرة الدونر الكلاسيكية التي يبيعها السيد دومان هو 7.50 يورو. وهو يعلم أنه إذا رفع السعر أكثر من ذلك، "سيتوقف الناس عن الشراء". قصة السيد دومان ليست قصة معزولة، بل هي صورة خاطفة لـ"عاصفة" تختمر بهدوء في مطابخ مطاعم الدونر، وتهدد بالانتشار، كاشفةً عن ثغرات في النظام الاقتصادي الألماني.
عندما يعطس "العملاق الصامت"
تقع بؤرة هذه القصة في بلدة مور، على بُعد حوالي 30 كيلومترًا شمال شتوتغارت. هنا يقع مقر شركة بيرتات ميت وورلد إس إي، عملاق صناعة الدونر. بخبرة تزيد عن 30 عامًا، لا تُعد بيرتات مجرد مصنع، بل حلقة وصل حيوية في سلسلة توريد الأغذية الوطنية الألمانية.
يفخر موقع بيرتات الإلكتروني بتزويده آلاف أكشاك الدونر باللحوم، موفرًا خدماته لأكثر من 13 مليون مستهلك شهريًا. تُتبل أسياخ اللحم البقري والعجل والديك الرومي العملاقة، التي يصل وزنها إلى 120 كيلوغرامًا، وتُشوى في أسياخ، وتُجمد سريعًا، ثم تُشحن عبر البلاد من هنا.
لكن هذه الآلة العملاقة مُعرَّضة لخطر التوقف. منذ أسابيع، يُنظِّم مئات العمال في بيرتات، قلب المصنع، إضرابات. مطالبهم واضحة: زيادة شهرية في الأجور قدرها 375 يورو، واتفاقية تفاوض جماعي شفافة.
يشير اتحاد عمال الأغذية والمشروبات والمطاعم (NGG)، الذي يمثل العمال، إلى حقيقة صادمة: الأجور الحالية في بيرتات غامضة ومتفاوتة بشكل كبير، حتى بين الأشخاص الذين يؤدون نفس الوظيفة. معظم هؤلاء العمال مهاجرون من تركيا ورومانيا وبلغاريا. يعملون لساعات طويلة في ظروف قاسية، حيث غالبًا ما تقترب درجات الحرارة من الصفر لحفظ اللحوم.
لم يعد نزاع عمال بيرتات شأنًا محليًا، بل أصبح بمثابة قنبلة موقوتة في منتصف سلسلة توريد الدونر. إذا قرر العمال الإضراب لفترة طويلة، فسيكون لذلك تأثير دومينو: ستواجه آلاف المتاجر، مثل متجر السيد دومان، نقصًا في اللحوم. ولن يتوقف سعر الدونر عند 7 أو 8 يورو.

في ألمانيا، لا يعد دونر كباب مجرد طعام شوارع فحسب، بل يعد أيضًا رمزًا ثقافيًا، مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالحياة اليومية لملايين الأشخاص (الصورة: AP).
دونر كباب - "مؤشر التضخم" في كل شارع
بالنسبة للعديد من الألمان، فإن دونر كباب هو أكثر من مجرد طعام، فهو مؤشر اقتصادي غير رسمي، ومقياس أكثر دراية وفهمًا للتضخم من أي رقم صادر عن البنك المركزي.
قبل عقدين من الزمن، كان سعر الدونر حوالي 2.50 يورو، مما وفّر مصدر رزق حقيقيًا للطلاب والعمال ذوي الدخل المحدود. أما اليوم، فيبلغ السعر النموذجي 7 يورو على الأقل. يعكس هذا الارتفاع الهائل بدقة ضغوط التكلفة التي تُثقل كاهل جميع قطاعات الاقتصاد الألماني، من أسعار الطاقة إلى تكاليف النقل، وصولًا إلى أسعار المواد الخام.
كانت نيل لانغفيلد، طالبة تبلغ من العمر 22 عامًا، تصطف في طابور لشراء دونر. لم تكن قد سمعت عن الإضراب في مصنع بيرتات، لكن احتمال ارتفاع سعر طعامها المفضل كان يُثير قلقها. قالت: "ميزانيتي محدودة، وهذا آخر ما أرغب برؤيته. دونر طعام رخيص نادر يُشعرك بالشبع، ويجب أن يبقى كذلك".
يتشارك ملايين المستهلكين الألمان رغبة نيله. ولكن كما تُظهر قصة السيد دومان وإضراب بيرتات، فإن الحفاظ على أسعار الدونر "معقولة" أصبح مهمةً مستحيلة. فضغط تكاليف المدخلات، وخطر نقص العمالة، يدفع أصحاب المتاجر إلى مأزق.
من رمز التكامل إلى مشكلة اقتصادية صعبة
قليلون هم من يعرفون أن هذا الطبق، الذي يُعتبر "الروح الوطنية" لمأكولات الشوارع الألمانية، يعود أصله إلى المهاجرين الأتراك. تقول الأسطورة إن محمود أيغون ابتكر أول شطيرة دونر عام ١٩٧١ في برلين الغربية. ومن طبقٍ يُقدمه عمال الضيافة (Gastarbeiter)، غزت شطيرة دونر جميع أنحاء ألمانيا، وأصبحت رمزًا للتكامل الثقافي الناجح.
يعيش في ألمانيا حوالي 2.9 مليون شخص من أصل تركي، وتعد صناعة الدونر قوة اقتصادية تخلق عشرات الآلاف من فرص العمل وتولد مليارات اليورو من العائدات كل عام.
يُذكّر إضراب بيرتات بشكلٍ صارخٍ بدور العمال المهاجرين في الاقتصاد الألماني. فهم أساس المنتجات التي يستهلكها ملايين الناس يوميًا، إلا أن أصواتهم وحقوقهم غالبًا ما تُتجاهل. ولا تقتصر الإضرابات، بأعلامها وإيقاعاتها، على المطالبة بالأجور فحسب، بل هي أيضًا محاولةٌ للاعتراف بمساهمتهم في المجتمع.
بينما تلتزم إدارة بيرتات الصمت، يستمر الصراع بين العمال والشركة، تاركًا سؤالًا جوهريًا دون إجابة: ما مصير دونر كباب؟ هل سيصبح رفاهيةً لا يقدر عليها إلا الأثرياء؟ أم سيُشكّل الإضراب حافزًا يدفع المصنّعين والحكومات إلى إعادة النظر بجدية في حقوق العمال، وخاصةً العمال المهاجرين، لضمان استدامة قطاع بأكمله؟
قصة دونر كباب ليست مجرد قضية ألمانية، بل هي أيضًا مثالٌ واضح على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العديد من البلدان: التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، والتفاوت في حقوق العمال. إنها تُظهر أن طبقًا بسيطًا في ظاهره يمكن أن يروي قصةً معقدة عن اقتصاد ومجتمع.
المصدر: https://dantri.com.vn/kinh-doanh/doner-kebab-buc-tranh-kinh-te-cua-nuoc-duc-qua-mot-xien-thit-20250808170549601.htm
تعليق (0)