![]() |
مشهد من حفل توقيع اتفاقية باريس، 27 يناير 1973، في مركز المؤتمرات الدولي في باريس (فرنسا) |
حرب المقاومة ضد الولايات المتحدة لإنقاذ البلاد خير مثال على هذا النضال. واتفاقية باريس لإنهاء الحرب وإعادة السلام في فيتنام، الموقّعة في 27 يناير/كانون الثاني 1973 في العاصمة الفرنسية، كانت ثمرةً ناجحةً لواحدة من أصعب وأطول المفاوضات في تاريخ الدبلوماسية العالمية.
في منزله الخاص المريح في مجمع ثانه كونغ السكني في هانوي، لا يزال الدبلوماسي فام نغاك، الذي يقارب عمره التسعين عامًا، يتمتع بالنشاط ووضوح الذهن. يروي السيد فام نغاك، متذكرًا تفاصيل المفاوضات في باريس قبل أكثر من نصف قرن: "كنت أصغر عضو في وفد جمهورية فيتنام الديمقراطية".
واستذكر السيد فام نجاك ذكريات لا تنسى من تلك الفترة، وقال إن المفاوضات في مؤتمر باريس كانت شاقة ومعقدة، واستمرت قرابة خمس سنوات، من 13 مايو/أيار 1968 إلى 27 يناير/كانون الثاني 1973، وتضمنت 202 جلسة عامة، و36 اجتماعا سريا خاصا، و500 مؤتمر صحفي، و1000 مقابلة ومفاوضات.
يستطيع فريق التفاوض الأمريكي العودة إلى البلاد بسرعة كبيرة. يمكنهم التفاوض في منتصف الطريق، ثم ركوب السيارة والاتصال بالوطن لطلب الآراء. في هذه الأثناء، علينا تشفير الرسائل وإرسالها، وإذا أردنا العودة إلى الوطن لطلب المزيد من التعليمات، فسيضطر الرفيق لي دوك ثو لقضاء أيام عديدة في السفر إلى فيتنام. في إحدى المرات، استمرت المفاوضات حتى الساعة الثالثة صباحًا، وبعدها مباشرةً، اضطر فريق التفاوض من جمهورية فيتنام الديمقراطية إلى ركوب الطائرة للعودة إلى الوطن لتقديم تقريره، حاملين معهم محاضر الاجتماع، كما روى السيد فام نغاك.
وقال السيد فام نجاك بانفعال: "تغلب أعضاء فريق التفاوض على جميع الصعوبات، وحافظوا دائمًا على روحهم القتالية لإكمال المهام الموكلة إليهم".
تخليدًا لذكرى السيد فام نجاك، وفي تمام الساعة ١٢:٣٠ (بتوقيت باريس) من يوم ٢٢ يناير ١٩٧٣، وفي مركز كليب الدولي للمؤتمرات، وقّع المستشار الخاص لي دوك ثو والمستشار هنري كيسنجر بالأحرف الأولى على اتفاقية إنهاء الحرب واستعادة السلام في فيتنام. وفي ٢٧ يناير ١٩٧٣، وُقّعت اتفاقية إنهاء الحرب واستعادة السلام في فيتنام رسميًا.
هذه وثيقة قانونية دولية تُؤكد النصر العظيم الذي حققته مقاومة الشعب الفيتنامي في حربه ضد الولايات المتحدة لإنقاذ البلاد، وتتضمن أحكامًا مهمة، هي: تعهد الولايات المتحدة ودول أخرى باحترام استقلال فيتنام وسيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها؛ وانسحاب الجيش الأمريكي والدول المتحالفة معه من فيتنام. سيقرر شعب فيتنام الجنوبية مستقبله السياسي من خلال انتخابات عامة حرة وديمقراطية حقيقية؛ وسيتم توحيد فيتنام تدريجيًا بالوسائل السلمية...
استذكر السيد فام نغاك فرحة توقيع اتفاقية باريس، وتذكر لحظة خروج الوفد الفيتنامي في 27 يناير/كانون الثاني 1973. كانت السماء مليئة بالأعلام الحمراء والنجوم الصفراء، بالإضافة إلى علم الحكومة الثورية المؤقتة لجمهورية فيتنام الجنوبية. وتجمع الأصدقاء الدوليون بأعداد كبيرة لتهنئة الوفدين الفيتناميين، ومشاركتهم هذه الفرحة، معتبرين ذلك انتصارًا مشتركًا للعدالة.
كان تحقيق المصالح الوطنية أصعب وأطول نضال دبلوماسي في تاريخ الدبلوماسية الثورية الفيتنامية. لقد ضحى الشعب الفيتنامي بدمائه وعظامه، دافعًا عن تطلعات الشمال والجنوب نحو الاستقلال والسيادة والوحدة وسلامة أراضي الوطن. وقد هيأ توقيع اتفاقية باريس أجواءً مواتية للنضال من أجل تحرير الجنوب وتوحيد البلاد. وستنتهي الحرب، وتدخل البلاد عصرًا من الوحدة والسلام والازدهار، كما يتذكر السيد فام نغاك بتأثر.
في معرض تقييمه لمكانة اتفاقية باريس وأهميتها التاريخية في مسيرة الثورة الفيتنامية، أكد البروفيسور الدكتور نجوين شوان ثانغ، عضو المكتب السياسي، مدير أكاديمية هو تشي منه الوطنية للسياسة، رئيس المجلس النظري المركزي، أن جيشنا وشعبنا، انطلاقًا من جوهر اتفاقية باريس الاستراتيجي، نفذا هجوم الربيع العام وانتفاضة عام ١٩٧٥، محررين الجنوب بالكامل وموحدين البلاد. وقد هيأت اتفاقية باريس الظروف والبيئة لفيتنام لإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى، وحظيت بدعم الأصدقاء الدوليين لنضال الشعب الفيتنامي من أجل السلام والعدالة والوحدة الوطنية.
بعد مرور أكثر من نصف قرن، لا تزال اتفاقية باريس لإنهاء الحرب واستعادة السلام في فيتنام تحتفظ بقيمتها ودروسها العميقة والقيّمة. في ظل التطورات المعقدة وغير المتوقعة في السياق الدولي الراهن، تُبرز اتفاقية باريس درسًا في التنسيق الوثيق بين الأنشطة الدبلوماسية وتعزيز التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بما يرتبط بضمان الدفاع والأمن الوطنيين؛ والدمج الوثيق والتنسيق السلس بين الشؤون الخارجية للحزب، ودبلوماسية الدولة ودبلوماسية الشعب؛ وبناء قوة مشتركة لحماية الوطن مبكرًا، عن بُعد، عندما لا يكون البلد في خطر بعد، والحفاظ على بيئة سلمية ومستقرة لتنمية وطنية سريعة ومستدامة.
تُعدّ اتفاقية باريس درسًا في استيعاب فكرة الرئيس هو تشي منه "الثبات، والاستجابة لجميع التغيرات". وانطلاقًا من هذا الدرس المهم وتعزيزه، وفي إطار سعينا نحو الابتكار، اقترحنا سياسةً تُعنى بتعزيز القوة الداخلية كعامل حاسم، والقوة الخارجية كعامل مهم؛ والتعامل بشكل سليم ومتناغم مع الاستقلال والحكم الذاتي والتضامن، والتعاون الدولي، والتوفيق بين المصالح الوطنية والمسؤوليات الدولية؛ والسعي بحزم لتحقيق الاستقلال الوطني والاشتراكية، والجمع بمهارة بين الدبلوماسية السياسية والاقتصادية والثقافية؛ ودبلوماسية الدولة والدبلوماسية الشعبية؛ وضمان التعددية والثنائية،... والاستجابة بيقظة واستباقية وفورية للتغيرات المعقدة في الوضع العالمي.
على وجه الخصوص، شدد البروفيسور الدكتور نجوين شوان ثانغ على أهمية الحفاظ على قيادة الحزب وتعزيزها في مجمل مسيرة النضال على الصعيد الدبلوماسي. فكلما انخرطنا في عملية تكامل دولي شامل وواسع، ازدادت حاجتنا إلى تعزيز قيادة الحزب والحفاظ عليها في الشؤون الخارجية والأنشطة الدبلوماسية، من أجل تنفيذ السياسة الخارجية القائمة على الاستقلال والاعتماد على الذات والسلام والصداقة والتعاون والتنمية بنجاح واستمرار، وتنويع العلاقات الخارجية وجعلها متعددة الأطراف... فيتنام صديق وشريك جدير بالثقة وعضو فاعل ومسؤول في المجتمع الدولي.
مصدر
تعليق (0)