تسعى بيونغ يانغ إلى إيجاد مخرج من المأزق في شبه الجزيرة الكورية من خلال تعاون أوثق مع روسيا. ورغم أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا ستُجري انتخابات مهمة في عام ٢٠٢٤، إلا أن الوضع في شبه الجزيرة لن يتغير كثيرًا، ومن المرجح أن يستمر زخم العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتن (يمين) والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون يلتقيان في قاعدة فوستوتشني الفضائية في أقصى شرق روسيا في 13 سبتمبر 2023. (المصدر: وكالة الأنباء المركزية الكورية) |
في 28 مارس/آذار، استخدمت روسيا حق النقض ضد مشروع قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتمديد تفويض لجنة من الخبراء المستقلين المكلفة بمراقبة تنفيذ العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية.
أيد القرار 13 عضوًا في مجلس الأمن (بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان)، مع امتناع عضو واحد عن التصويت من الصين. وبتصويت روسيا السلبي - العضو الدائم - لم يُعتمد القرار، مما يعني أن آلية العمل المشتركة ستتوقف عن العمل بنهاية أبريل/نيسان 2024. لا يُظهر هذا التطور التعاون الوثيق المتزايد بين روسيا وكوريا الشمالية فحسب، بل يُمثل أيضًا تغييرًا جذريًا في استراتيجية كوريا الشمالية.
انهيار الحوار بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية
تواجه كوريا الشمالية حاليًا معضلة. يسعى الرئيس الكوري الجنوبي الحالي يون سوك يول جاهدًا لتعزيز التعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. ومع إصرار كوريا الشمالية على تطوير برامجها النووية، واختبار الصواريخ، وإطلاق قذائف المدفعية، وإطلاق الأقمار الصناعية، وغيرها، تواصل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية فرض عقوبات على بيونغ يانغ لعرقلة مواردها المالية، مما يُفاقم مشاكلها الاقتصادية .
لحل هذه المعضلة، يتمثل الخيار الأمثل لكوريا الشمالية في التوصل إلى اتفاق لنزع السلاح النووي مع الولايات المتحدة، يُخفف العقوبات أو حتى يرفعها. وقد دأب الزعيم كيم جونغ أون على السعي في هذا الاتجاه، كما يتضح من الرسائل الـ 27 التي تبادلها مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بين عامي 2018 و2019. كما بذلت إدارة الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي إن جهودًا لتسهيل مفاوضات نزع السلاح النووي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
مع ذلك، بعد انتهاء قمة الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في هانوي دون بيان مشترك، لا تزال عملية التفاوض متوقفة حتى الآن. ومع إعطاء الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الأولوية لتعزيز التحالف بين البلدين بدلاً من محاولة تحقيق تقدم في مفاوضات نزع السلاح النووي مع كوريا الشمالية، فإن احتمال استمرار كوريا الشمالية في اتباع الخيار المذكور يتضاءل تدريجياً.
تجدد التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية
في ظل هذه الظروف، سعت كوريا الشمالية في الوقت نفسه إلى اغتنام فرص تعاون أوثق مع كل من روسيا والصين. وعندما أغلقت كوريا الشمالية حدودها بسبب جائحة كوفيد-19، حضر مسؤولان رفيعا المستوى من روسيا والصين العرض العسكري الكوري الشمالي في ساحة كيم إيل سونغ في يوليو 2023، مُظهرين بذلك نيتهم. مع ذلك، لم تُشارك الصين بعمق في القضية الكورية الشمالية بعد، ودعت الأطراف المعنية بشكل رئيسي إلى ضبط النفس واستئناف الحوار، لأنها لا تزال بحاجة إلى التركيز على حل المشاكل الاقتصادية المحلية، وترغب في تجنب تعزيز التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.
على الجانب الروسي، وبعد عامين من الحرب في أوكرانيا، بدأت روسيا وأوكرانيا تنفدان من قذائف المدفعية. فبينما تتلقى أوكرانيا مساعدات عسكرية من الدول الغربية، لا تملك روسيا خيارات كثيرة من شركائها بسبب العقوبات المتنوعة. في الوقت نفسه، تحتاج كوريا الشمالية إلى مساعدات غذائية ووقود وتقنيات عسكرية متطورة، مثل أقمار التجسس والغواصات النووية؛ وتتمتع روسيا بالقدرة والخبرة اللازمتين لدعم كوريا الشمالية في هذه المجالات. في سبتمبر 2023، عقد زعيما روسيا وكوريا الشمالية قمة في روسيا، في مؤشر على "انتعاش" التعاون بين البلدين منذ الحرب الباردة. ورغم أن روسيا وكوريا الشمالية لم تكشفا عن الاتفاقات التي تم التوصل إليها في قمة سبتمبر 2023، إلا أن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد تمديد فترة التمديد في مجلس الأمن أظهر الانقسام بين الدول الأعضاء بشأن قضية كوريا الشمالية، بالإضافة إلى التنسيق الوثيق المتزايد بين العلاقات الروسية الكورية الشمالية.
استمرار المشاركة
في مارس 2024، زار رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرجي ناريشكين، بيونغ يانغ لمناقشة التعاون في مجال مكافحة التجسس. وفي الفترة المقبلة، ورغم عدم تحديد موعد محدد، أعلن الكرملين أن الرئيس بوتين سيزور كوريا الشمالية في عام 2024، حيث سيتم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون "الجيدة جدًا" بين الجانبين. وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فستكون هذه أول زيارة للسيد بوتين إلى كوريا الشمالية منذ ما يقرب من 23 عامًا.
بعد قمة هانوي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، أدركت كوريا الشمالية أن التفاوض مع الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات لم يعد خيارًا مجديًا. لذلك، لا تزال روسيا تُمثل حاليًا "بصيص أمل" لبيونغ يانغ لإيجاد توجه استراتيجي جديد في شبه الجزيرة الكورية. وقد يستمر "الربيع" في العلاقات الروسية الكورية الشمالية حتى حدوث انفراجات جديدة في الوضع الحربي في أوكرانيا والوضع في شبه الجزيرة الكورية.
جدير بالذكر أن كوريا الجنوبية أجرت انتخابات جديدة للجمعية الوطنية في 10 أبريل، حيث وصل معدل التصويت المبكر يومي 5 و6 أبريل إلى أعلى مستوى له في التاريخ (31.28%). في الصباح الباكر من يوم 11 أبريل، أظهرت نتائج فرز جميع الأصوات تقريبًا أن حزب المعارضة الرئيسي، الحزب الديمقراطي الكوري، فاز بـ 161 من أصل 254 مقعدًا منتخبًا بشكل مباشر، ومن المتوقع أن يفوز بـ 176 من أصل 300 مقعد في الجمعية الوطنية إلى جانب الأحزاب التابعة الأخرى. وبهذه النتيجة، سيواصل الحزب الديمقراطي الكوري سيطرته على غالبية المقاعد في الجمعية الوطنية الكورية كما في الفترة السابقة. وبالتالي، وكما هو الحال في العامين الماضيين، ستظل جهود الرئيس يون لتنفيذ السياسة الداخلية تواجه صعوبات. ومع ذلك، فإن تأثير الجمعية الوطنية الكورية على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الحالي منخفض نسبيًا، لذا من المرجح أن يستمر السيد يون في اتجاهه السياسي حتى نهاية فترة رئاسته في مايو 2027.
من الجانب الأمريكي، ورغم أن الانتخابات الرئاسية مقررة في نوفمبر 2024، سيبقى الرئيس الأمريكي جو بايدن في السلطة حتى يناير 2025. أما من الجانب الروسي، فقد أُعيد انتخاب الرئيس بوتين في انتخابات 15-17 مارس، وسيستمر في السلطة حتى عام 2030. إضافةً إلى ذلك، يُقدّر المراقبون أن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا في عام 2024 لا تزال ضئيلة، ومن المتوقع استمرار الحرب. وبالنظر إلى هذه العوامل، يُمكن التنبؤ بأن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية من المرجح أن يستمر في التطور.
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)