الفن الأمريكي [الجزء الأول]

لقد شهد الإبداع الفني في أمريكا دائمًا صراعًا بين مصدرين متعارضين للإلهام: المصدر الداخلي للإبداع ومصدر الإبداع من أوروبا...

منذ البداية، أظهرت هوليوود مستوى عاليًا من التدويل وجذبت العديد من المواهب السينمائية الأجنبية.

السمات العامة للفن الأمريكي

يشير مفهوم "الفن الأمريكي"، وخاصةً في نظر الباحثين الأوروبيين، إلى جميع الفنون في أمريكا المستمدة من الثقافات الأصلية التي وُجدت قبل وصول المستعمرين الأوروبيين وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما ازدادت وتيرة العولمة قوةً. دمّر المهاجرون البيض إلى أمريكا الفنون المجيدة للأمريكيين الأصليين. وعندما استعبدوا ملايين السود، ظلّ الفن الأسود محتقرًا ومُكبوتًا لمئات السنين، حيث كان موجودًا سرًا في الظلام أو يُعتبر مجرد تسلية للأسياد. لكن غريزة البقاء في الموسيقى السوداء كانت قويةً لدرجة أنها أصبحت عنصرًا فريدًا من عناصر الموسيقى الأمريكية.

بدأت أمريكا بمهاجرين من أعراق متعددة، جالبين معهم عادات وتقاليد من مناطق مختلفة. ومع ذلك، منذ الاستقلال، في نهاية القرن الثامن عشر، ومع التطورات التاريخية، نشأ تدريجيًا فن مشترك مستقل يتجاوز توجهات كل جماعة عرقية على حدة، بما يتماشى مع تطلعات السياسيين الذين أسسوا أمريكا، لأنها أثبتت أنها أمة ناضجة روحيًا. وتتمثل السمة الفريدة للفن الأمريكي في أنه على الرغم من امتلاكه خصائص أعراق متعددة، إلا أنه لا يزال يحتفظ بخصائصه الخاصة.

لقد شهد الإبداع الفني في أمريكا دائمًا صراعًا بين مصدرين متعارضين للإلهام: المصدر الداخلي للإلهام، الذي ينشأ من البيئة الجغرافية والتاريخية الداخلية، والذي غالبًا ما يكون بريًا وبريءًا، ومصدر الإلهام من أوروبا، والذي غالبًا ما يحمل تعقيد الفن ذي التقاليد الطويلة جدًا.

من سمات الفن الأمريكي عفويته الشديدة. فرغم الدعم الحكومي ، لا يمكن للمتاحف والسيمفونيات والمسارح أن تستمر إلا بفضل تبرعات المحسنين والجامعات، وخاصةً بفضل مبيعات التذاكر. يعتمد الفن في الدول الأخرى على الدعم الحكومي، أما في الولايات المتحدة، فلا بد من ربطه بالتجارة (مبيعات التذاكر).

لهذا السبب، يتسم الفن دائمًا بالتجريب والإبداع. ويتجلى ذلك جليًا في السينما، والموسيقى الشعبية، وتطور فرق المسرح المحلية، والباليه، والسيمفونيات، والمعارض، وغيرها. تزيد الحكومة دعمها للفنون مع الحفاظ على استقلاليتها. وتُذكّر الحكومة دائمًا بأنها لا تنوي توجيه الفن. عندما أُنشئت المؤسسة الوطنية للفنون (عام ١٩٦٥)؛ كانت لا تزال هناك لجنة خبراء مستقلة، مهمتها اكتشاف المواهب وتشجيعها ونشرها.

بفضل التقدم التقني، أصبحت الثقافة والفنون الأمريكية شائعة على نطاق واسع بين الجماهير: التلفزيون والكتب والمجلات والمتاحف، كلها تطورت على نطاق واسع، وتغطي جميع مجالات الحياة مثل: الموسيقى والمسرح والسينما والرياضة والسياحة والغذاء والطب والتعليم ... حتى عينات المنتجات.

يعتقد العديد من أصدقائي الأوروبيين أن الثقافة الأمريكية تتميز بثلاثة مجالات فقط، تُسهم إسهامًا حقيقيًا في الثقافة العالمية: الأدب، والسينما، والموسيقى. وأعتقد أن هناك أيضًا العمارة الأمريكية.

وُلدت السينما الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر، وسرعان ما أصبحت منذ ذلك الحين من أبرز دور السينما في العالم من حيث الكم والجودة الفنية. أحيانًا تُطلق عليها هوليوود (نسبةً إلى موقع هوليوود، حيث تقع أكبر استوديوهات واستوديوهات الأفلام في الولايات المتحدة). يرتبط تأسيس هوليوود وتطورها ارتباطًا وثيقًا برجال الأعمال والمصورين السينمائيين اليهود.

كانوا هم من أدركوا الفوائد الهائلة للسينما، وكانوا روادًا في تأسيس أولى استوديوهات هوليوود السينمائية الكبرى، وبناء دور سينما مخصصة لعرض الأفلام. منذ البداية، أظهرت هوليوود مستوىً عاليًا من العالمية، واستقطبت العديد من المواهب السينمائية الأجنبية. ويُعد هذا من أبرز نقاط قوة هوليوود، إذ ساهم هذا المستوى العالي من العالمية في تنويع الأساليب الفنية والتمثيلية، وجذب جماهير واسعة في مناطق عديدة من العالم.

الموسيقى الأمريكية: أمريكا هي بوتقة تنصهر فيها الأنواع الموسيقية الهجينة بسبب التقاء الموسيقى العرقية الأوروبية الدينية (البوريتانية)، والموسيقى الشعبية والكلاسيكية، والتقاليد الموسيقية السوداء (بالإضافة إلى القليل من الموسيقى الأمريكية الأصلية التي تلاشت تدريجياً)؛ حتى الحركات المتعلمة من أوروبا غالباً ما تتأثر بشكل كبير بأشكال الموسيقى الشعبية السوداء والأوروبية في أمريكا.

هذه العوامل هي التي خلقت الطابع المستقل للموسيقى الأمريكية بتوجهين متعارضين: مزج موسيقى الأعراق والأجناس المختلفة مع تأكيد الهوية الأمريكية؛ والسعي إلى التمسك بالتقاليد مع البحث في الوقت نفسه عن شيء جديد ينفصل عنها. لطالما تعارضت التقاليد الكلاسيكية الأوروبية مع حيوية العادات واللغات المحلية في أمريكا؛ لذلك، لا يزال العديد من الموسيقيين الأمريكيين الموهوبين والمتعلمين متمسكين بالتقاليد المحلية.

العمارة الأمريكية: عند الحديث عن العمارة الأمريكية، يتبادر إلى ذهن الكثيرين المباني الشاهقة وناطحات السحاب. في الواقع، للعمارة الأمريكية تاريخٌ يمتد لأربعمائة عام، وهو تاريخٌ فريدٌ من نوعه، يتميز بثلاثة عوامل: طابعها المتعدد الأعراق والثقافات المحلية؛ وعقلية المهندسين المعماريين العملية والإبداعية؛ مع بعض الإعجاب بالأساليب التاريخية، وخاصةً الكلاسيكية الأوروبية (بالتجول بين المناطق، لا تزال هناك آثارٌ لعمارة وطنية لا تزال أصيلة أو متغيرة وفقًا للبيئة الأمريكية: إسبانيا، هولندا، إنجلترا، شمال أوروبا، فرنسا، اليابان...).

المصدر: https://baoquocte.vn/nghe-thuat-my-ky-1-283618.html