كان الصيف في بدايته، لكن السماء بدت وكأنها على وشك التشقق؛ زقزقت حشرات السيكادا طوال اليوم، حتى بعد أن غرقت المدينة في ظلمة الليل. نظرت إلى صور قديمة، وسمعت فجأة صوت سقوط أزهار البونسيانا الملكية، فامتلأ قلبي بمشاعر جمة.
يحمل شهر مايو معه الألوان والروائح والأصوات المميزة لأيام الصيف الحارقة. الصورة: الإنترنت.
كان الصيف في بدايته، لكن السماء بدت على وشك التشقق؛ زقزقت حشرات السيكادا طوال اليوم، حتى بعد أن غرقت المدينة في ظلمة الليل. انتهزتُ لحظة فراغ، ففتحتُ الدرج الخشبي، وفتّشتُ في كومة من الكتب القديمة، فوجدتُ دفتر اليوميات ذي القميص الأبيض البريء، الذي أصبح الآن قديمًا وملطخًا بآثار الزمن. أقلّبتُ كل صفحة برفق، ونظرتُ إلى الصور القديمة، وسمعت فجأةً صوت أزهار الفينيق تتساقط، فامتلأ قلبي بمشاعر جمة.
حلّ شهر مايو، حاملاً معه ألوانًا وروائح وأصواتًا تُميّز أيام الصيف الحارقة. يستطيع أي شخص، عن قصد أو عن غير قصد، أن يستمع ويشعر بتلك اللمسات الخاصة لشهر مايو. ولكن ربما يكون هذا مؤكدًا لأن ليس كل شخص قادرًا على الاستماع، سماع الأصوات الجوهرية، تلك الأصوات التي يصعب إدراكها ولو للحظة، في الريح الخفيفة: صوت أزهار العنقاء المتساقطة.
تزهر البونسيانا الملكية في شهر مايو، فتمنحه شغفًا عميقًا. شمس مايو ذهبية، وسماءه زرقاء وواسعة. مايو يُغني مشاعر عاطفية. يبدو أن اللون الأحمر للبونيانا الملكية يتحد مع الشمس ليحرق السماء. هذا اللون الأحمر يُشعل في المرء مشاعر الحب والشوق، فتعود الذكريات إلى الحياة بلا نهاية.
زهرة البونسيانا الملكية تُهدى لشهر مايو بطبيعتها القوية والعاطفية. الصورة: الإنترنت.
صوت أزهار الفينيق وهي تتساقط بهدوء يمتزج بصوت حشرات السيكادا... أثار هذا الصوت فيّ ذكرياتٍ قديمة. كم مرّ من الوقت منذ أن عشتُ حياةً هادئةً كهذه، أنتظر بفارغ الصبر لأشعر بكل ما حولي. تحت الشمس التي بدت وكأنها تحرق كل شيء، بدت أزهار الفينيق وكأنها قد ذبلت. سقطت بهدوءٍ شديد، كزقزقة العصافير، ثم ذبلت في الساحات أو على ضفاف العشب. أحيانًا، عندما هبت الرياح أو مرّت السيارات، كانت تُشكّل دواماتٍ هوائيةً تُحرّك أزهار الفينيق.
أتذكر موسم البونسيانا ذلك العام، آخر موسم بونسيانا في حياتي الطلابية. أتذكر صباح مايو الصافي بزيّ طلابي أبيض ناصع، أحمل في يدي عناقيد البونسيانا، وألتقط بشغف آخر صور الكتاب السنوي مع أساتذتي وأصدقائي. لحظات البكاء، والوداع الحزين، والوعود بالغد، واللقاء مجددًا. كما لا أستطيع أن أنسى تلك الذكرى الشقية، وإن كانت نقية، خلال حفل تخرج الصف الثاني عشر، لأنني كنت أقطف بعض عناقيد البونسيانا لتزيين الفصل، تسلقت شجرة، وانزلقت وسقطت، ولحسن الحظ كانت هناك سجادة من العشب، ولم أخدش سوى ذراعيّ وساقيّ. ذكريات موسم امتحانات ذلك العام، موسم الفراق، تعود إليّ بوضوح...
صوت أزهار الفينيق وهي تتساقط، ونظرة إلى أيام زمان من خلال دفاتر القصاصات القديمة، أحب الصيف أكثر. رسم توضيحي: الإنترنت.
في ذلك الوقت، وعدنا بعضنا البعض بالكثير، ووقفنا جنبًا إلى جنب كل يوم سعيًا لتحقيق حلمنا بأن نصبح طلابًا في كلية الآداب بجامعة هانوي الوطنية للتربية. ثم علمتني الحياة أن ليس كل الوعود تتحقق تمامًا. في أوائل خريف ذلك العام، عشتُ أنا وصديقي فرحين للغاية عندما حققنا أمنياتنا التي طالما تمنيناها. في يوم القبول، حزم الطالبان الجديدان حقائبهما واستقلا الحافلة إلى هانوي "للاستقرار في المدينة" وبدء رحلة جديدة. ولكن بعد ذلك، وبسبب مشاكل عائلية، ورغم كل جهوده، اضطر إلى ترك الدراسة والذهاب إلى الجنوب لإعالة أسرته. أما أنا، فقد بقيت في هانوي، واعدًا صديقي بأن أدرس بجد لتحقيق حلمنا بأن أصبح أستاذًا للأدب قريبًا. تخرجتُ، وبعد التخرج، بقيتُ في هانوي للعمل، ومنذ ذلك الحين لم تسنح لي فرصة لقاء صديقي.
ظلت مشاعر وذكريات الصيف الماضي تعود، تتدفق كالنهر في موسم الفيضان. صوت زهرة العنقاء تتساقط، وأنا أتأمل الأيام الخوالي في صفحات دفتري القديم، أحب الصيف أكثر، أحب زهرة الطالب أكثر، أعز أصدقائي ذوي القمصان البيضاء وأفتقدهم أكثر، أعز استماعي غير المقصود، ولكنه خاص جدًا وحساس...
تران فيت هوانغ
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)