
الحنين الذي يجلبه البحر
في العشرينيات من عمري، أتيحت لي فرصة زيارة العديد من الشواطئ الجميلة والمدن الساحلية الشهيرة حول العالم . وعندما كنتُ أستمتع بوقتي، أطرق بقدميّ وأراقب الأمواج في أرض غريبة، أدركتُ كم كانت الطبيعة مُحبة لبحر مدينتي.
لدي عادة متأصلة، بغض النظر عن المكان الذي أذهب إليه، بغض النظر عن مدى انبهاري بالمناظر الطبيعية الغريبة، ما زلت أخصص مساحة سرية في ذهني للتفكير في مسقط رأسي.
يجب أن يقال أن هناك أماكن قليلة تتمتع بجميع الامتيازات الطبيعية مثل الساحل الأوسط لفيتنام: الشواطئ الرملية الطويلة واللطيفة، والرمال البيضاء، والمياه الزرقاء الصافية، والمأكولات البحرية الطازجة...
للأسف، ورغم حُسن حظي بامتلاك كل هذه المزايا الطبيعية، إلا أن شاطئ تام ثانه يُشبه ملهمًا خفيًا. نادرًا ما يُذكر اسمه في مواقع أخبار السفر ، ونادرًا ما يُذكر في منتديات الاستثمار.
حاولتُ البحث على جوجل عن كلمة "استثمار منتجع في تام ثانه، تام كي". وكما هو متوقع، لم تكن النتائج ذات صلة. بعد أن زرتُ العديد من الأماكن، وشهدتُ حركة المدن المجاورة المزدهرة نحو البحر، لم يسعني إلا أن أتطلع إلى بوادر استثمارية تُسهم في تطوير السياحة الساحلية في مسقط رأسي، بما تتمتع به تام ثانه من إمكانات طبيعية. كان هذا ما فكرتُ به قبل حوالي عشر سنوات.
في السنوات الأخيرة، عندما أزور المدن السياحية الساحلية الشهيرة التي كنت أحبها في صغري، أشعر فجأةً... بإرهاق شديد. تساقطت الغابات، وظهرت الشوارع، متجاوزةً حافة الماء.
كان هناك مكان كنت أسير فيه على طول الطريق الساحلي في المدينة وكان مغلقًا لدرجة أنه لم يكن هناك طريق عام يؤدي إلى البحر، فقط جدران بارزة.
عندما وجدت طريقًا صغيرًا بين منتجعين لدخول منطقة شاطئية سكنية، لم أتمكن من الاسترخاء والاستماع إلى صوت الأمواج بسبب الضوضاء القريبة.
صوت أبواق السيارات من الشارع أعلاه، وصوت آلات الحفر التي تعيد رصف الرصيف، بالإضافة إلى صوت مكبرات الصوت التي تضرب مباشرة في صدري من حانات الشاطئ القريبة... هززت رأسي، وأنا أفكر أنني لم أعد أحب البحر.
تام ثانه اليوم الذي نلتقي فيه مرة أخرى
هذا الصيف، عدتُ إلى تام ثانه. من مركز مدينة تام كي، اضطررتُ لفتح خرائط جوجل لأجد الطريق. كان الطريق إلى البحر مفتوحًا على مصراعيه. على بُعد كيلومتر تقريبًا، استطعتُ أن أشم رائحة البحر الممزوجة بالريح. وبعد أن تقدمتُ قليلًا، سمعتُ صوت الأمواج وهي تتلاطم، قبل أن أرى البحر يتلألأ تحت شمس الظهيرة.

رحلة الوطن تستقبل خطوات من رحلوا بعيدًا ليعودوا، في كل خطوة مهيبة: رائحة، صوت، صورة. فجأةً، تُعيدني المساحة بوضوحٍ إلى ذكريات الأيام الخوالي.
تحول إلى مطعم عائلي بسيط بالقرب من الشاطئ.
قالت صاحبة المطعم بصراحة: "مطعمي اليوم يقدم حبارًا طازجًا ولذيذًا، تفضلوا". وكما قالت، يكفي طهي طبق الحبار الطازج المنحني بالبخار، مع إضافة القليل من الأعشاب والفلفل لإضفاء نكهة مميزة.
طريقة الطبخ تشبه طريقة حياة الناس هنا: بسيطة، سخية، أصلية، وغير مختلطة.
"هل يمكنكِ تناوله؟ أخبريني إن احتجتِ لأي شيء،" سألتني وهي تحمل طفلها، ثم التفتت لتتحدث مع زوجها. شكرتها، ليس فقط على طبق الحبار الطازج الحلو أو على طبق صلصة السمك العطرية الممزوجة بإتقان. لكن دون قصد، أعادتني إلى تام ثانه قبل 30 عامًا، تمامًا كما كنتُ طفلة.
قرأتُ كتبًا وتعلمتُ أن جاذبية المحيط الطبيعية لا تكمن في الترفيه أو وسائل الراحة العصرية. فقد أثبتت دراسات علمية عديدة أن للمحيط قوة "شفائية طبيعية" للبشر.
المحيط هو أصل الحياة على الأرض، والنباتات البحرية تُوفر نصف الأكسجين الذي نتنفسه. لذا، فإن حب المحيط طبيعيٌّ كالتنفس.
تؤكد البيوفيليا، وهو مصطلح استخدمه إريك فروم وقام إدوارد أو. ويلسون بتوسيعه، على أن الارتباط والقرب من الطبيعة يشكلان جزءًا لا يتجزأ من سعادة الإنسان.
ولسوء الحظ، أدى التوسع الحضري السريع في المدن الساحلية الأخرى إلى جلب البلاستيك والصلب والخرسانة والزجاج وما إلى ذلك، والتي تطغى تدريجيا على الجمال البكر للمحيط وتتلاشى القيم الثقافية المحلية.
بعد مغادرة المتجر الصغير، وضعت هاتفي جانبًا، ورفعت بنطالي فوق ركبتي، وسرت حافية القدمين إلى حافة المياه لألتقط الأصداف وأترك قلبي يذوب مع كل موجة...
تذكرتُ فجأةً نفاد صبري من هدوء تام ثانه في العشرينيات من عمري، وشعرتُ بصغر سني وسذاجتي. إذا كانت تام ثانه قد انضمت بحماسٍ إلى سباق البناء والتوسع العمراني كغيرها من الأماكن، فكيف لها أن تحافظ على جمالها البكر الثمين؟
وقفت هناك شارد الذهن أنظر إلى أمواج تام ثانه، أشعر بأصوات الشوارع، صافرات الإنذار، مواقع البناء، إشعارات البريد الإلكتروني... التي كانت تطارد ذهني دائمًا تتلاشى فجأة وتختفي في قلبي.
لا يوجد سوى صفوف من أشجار الكازوارينا التي تتمايل في الريح، والرمال الصغيرة تتكسر تحت الأقدام، وصوت الصيادين وهم يصرخون وهم يسحبون شبكاتهم، والأمواج اللطيفة تتلاطم...
مصدر
تعليق (0)