"أكتب لأخبر عنهم..."
في منزل صغير بشارع فان با فان (حي باك تو ليم، هانوي )، يعيش رجلٌ في هدوءٍ بذكرياتٍ أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياته. يجلس على مكتبه يوميًا، يُقلب صفحات حياته الماضية - لا ليروي عن نفسه، بل عن "رفاقه" - رفاقه الذين بقوا أبديًا على درب التاريخ.
إنه العقيد الكاتب نجوين خاك نجويت، الجندي الذي قاد الدبابة 380، سرية الدبابات 4، اللواء 203، مباشرة إلى قصر الاستقلال في صباح يوم 30 أبريل 1975. كانت اللحظة التي انفجرت فيها الأمة بأكملها في فرحة الاستقلال، هي نفس اللحظة التي شعر فيها بنوبة من الألم - لأنه كان يعلم أن الفرح لم يكن للجميع.
العقيد - الكاتب نجوين خاك نجويت. الصورة: ثانه ثاو |
كان لي رفيق وُلد قبيل اقتحام الدبابات لقصر الاستقلال. لم يكن في حقيبته سوى أرجوحة قديمة، وبعض الكتب، وقاموس إنجليزي غير مكتمل... ورسالة إلى والدته لم يرسلها بعد.
مرّت سنوات، وانتهت الحرب منذ نصف قرن، لكن بالنسبة لسائق دبابة ذلك العام، لا تزال كل وجوه رفاقه، وكل ذكرى، وكل خيط دخان من ساحة المعركة، تبدو سليمة كما لو كانت بالأمس. بالنسبة له، الذكريات ليست للتذكر فحسب، بل للكتابة أيضًا. لتخلّد ذكرى من سقطوا، ولكي تفهم الأجيال القادمة أن: " السلام اليوم يجب أن يُبادل بالدماء والدموع وشباب أناس لا يُحصى عددهم".
"غادر هؤلاء الجنود الشباب عندما كانت الحرب تُقاس بالساعات والدقائق فقط. ضحى بعضهم بأنفسهم في المقصورة، قبل ثوانٍ فقط من اندفاع الدبابة 380 عبر بوابة قصر الاستقلال. لم يكن لديهم الوقت لرؤية العلم يرفرف على سطح القصر، ولم يكن لديهم الوقت ليعرفوا أن بلادهم قد توحدت"، روى العقيد نغوين خاك نغويت والدموع في عينيه.
صورة للدبابة رقم 380 وهي تدخل قصر الاستقلال في 30 أبريل 1975. تصوير: ثانه ثاو |
كان اسم الجندي نجوين كيم دويت، من هانوي، طالبًا جامعيًا في سنته الثانية، ترك الدراسة ليلتحق بالجيش. كان لطيفًا، مجتهدًا، طباخًا ماهرًا، ودائمًا ما يُحسن رعاية رفاقه. في كابينة الدبابة، كانت معه دائمًا حقيبة ظهر صغيرة: أرجوحة قديمة، ملابس باهتة، كتاب، قاموس إنجليزي-فيتنامي، وجيتار. جلب معه الموسيقى والمعرفة وأحلام شبابه التي لم تُحقق إلى المعركة.
ذكريات مؤلمة
قبل ذلك، عندما أصيبت سيارته بقذيفة، كان الجندي نجوين كيم دويت مستلقياً في مكان ضيق مليء بالدخان - بهدوء وصمت - داخل السيارة التي كان يعتني بها ويعتني بكل رصاصة وكل محرك.
تأثر العقيد نغوين خاك نغويت عندما روى: "في المقصورة الضيقة التي تفتقر إلى الأكسجين، كنا نحمل 32 كيلوغرامًا من القذائف واحدة تلو الأخرى، وأحيانًا كان كل شخص يحمل ما يصل إلى 16 قذيفة، ثم نفقد الوعي من الإرهاق. امتلأت السيارة بالدخان، وكادت أنفاسنا أن تنقطع. لكن في تلك المعركة الشرسة، كنا لا نزال نبتسم، ونتبادل رشفات الماء، ونأخذ استراحة، ونحضر بعضنا البعض رشفات الماء الدافئ. كنت سائق دبابة، لذلك اهتم بي زملائي، وأعطوني بعض الحليب والماء الدافئ، رغم قلة الكمية، حتى أتمكن من القيادة..."
لقد خضتُ معارك ضارية، ومع ذلك ما زلتُ على قيد الحياة، وما زلتُ أستمتع بفرحة النصر، تلك السعادة اللامتناهية. يمتزج بذلك الشرف والفخر، لأنه لم يكن كل جندي من جيش الشعب الفيتنامي حاضرًا في قصر الاستقلال ذلك اليوم - وهو مكانٌ ولحظةٌ في غاية القدسية والخصوصية. ومع ذلك، ما زلتُ على قيد الحياة، أنا حاضرٌ هناك، أشعر بالشرف والفخر. كان هذا أول شعورٍ انتابني عندما دخلتُ دبابة رقم 380 عبر بوابة قصر الاستقلال.
العقيد - الكاتب نجوين خاك نجويت مع صورة الدبابة 380 ورفاقه في 30 أبريل 1975. تصوير: ثانه ثاو |
لكن عندما هدأتُ قليلًا، انتابني شعورٌ مُتضارب. لأنه عندما عدتُ إلى الدبابة، ولأن سائقي دباباتنا لم يُسمح لهم بمغادرتها، كانت القواعد كالتالي: لذا عندما اقتحم المدفعيون القصر، كان عليّ البقاء في الدبابة.
في ذلك الوقت، كنتُ متسخًا للغاية، فلم أستحم لمدة ثلاثة أيام، منذ 27 أبريل. تناثر الغبار الأحمر من غابة المطاط في موسم الجفاف على وجهي، والتصق به زيت السيارة، مما جعلني أبدو متسخًا للغاية. تمزقت ساق بنطالي الأيسر، لذلك شعرتُ بإحراج شديد أمام عدسات الصحفيين الأجانب، وأمام أعين سكان سايغون، لأنني كنتُ صغيرًا جدًا في السن آنذاك.
عندما دخلتُ الدبابة، اندفعت رائحة دم نغوين كيم دويت، المدفعي الثاني. على الفور، اجتاحني شعورٌ وحالةٌ أخرى. كان الحزن على رفاقي، على من ضحّى، ولم يحالفه الحظ بالمجيء إلى هنا لمشاركة فرحتي اليوم. في كابينة الدبابة حيث كنتُ أجلس، كان دم المدفعي الثاني نغوين كيم دويت لا يزال عالقًا هناك، كان قلبي يتألم. تلك كانت حالتي النفسية ومشاعري المتضاربة يوم النصر العظيم.
نموذج دبابة في منزل العقيد الكاتب نجوين خاك نجويت. الصورة: ثانه ثاو |
كان على متن السيارة أربعة أشخاص، أحدهم فُقد، والآخر أصيب بجروح بالغة، ولم يبقَ سواي أنا والمدفعي ترونغ دوك ثو، وتبعنا الفرقة الرائدة لبضع مئات من الأمتار. لكن زملائي في الفريق لم يروا العلم يرفرف على سطح قصر الاستقلال في تلك اللحظة السعيدة، ولم يعرفوا أن بلادنا قد توحدت.
حتى الآن، مرّت خمسون عامًا، لكنّ تلك المشاعر والأحاسيس لا تزال تكاد تكون سليمة كلما حلَّ الثلاثين من أبريل. ما زلتُ على قيد الحياة، يا له من حظٍّ سعيد. لكنّ الحياة ليست لي وحدي، بل أكتبُها ردًّا لجميل رفاقي الراحلين ، كما قال، وعيناه تلمعان بالدموع وهو يروي القصة لمراسل من صحيفة كونغ ثونغ.
الكتابة هي وسيلة للحفاظ على التاريخ.
مرّ خمسون عامًا على تلك اللحظة التاريخية، وقد تجاوز الجندي نصف عمره، وشيب شعره مع مرور السنين. لكنه لا يزال يعود - مع كل سطر مليء بالدماء والدموع والامتنان، يروي قصص رفاقه، وقصص ساحة المعركة، وقصص الجنود المجهولين الذين ساهموا في انتصار الوطن. لا يكتب ليترك اسمه، بل ليظهروا من جديد بين سطوري.
العقيد الكاتب نجوين خاك نجويت: "أكتب لأحكي عنهم..." |
بمناسبة الذكرى الخمسين لتحرير الجنوب ويوم إعادة التوحيد الوطني (30 أبريل 1975 - 30 أبريل 2025)، أعاد الكاتب العقيد نجوين خاك نجويت نشر وتقديم عملين لهما قيمة تاريخية كبيرة: "مذكرات جندي دبابة - رحلة إلى قصر الاستقلال" و "الدبابات في حرب فيتنام - التاريخ كما نراه من البرج" ليست صفحات حية عن ذكريات الحرب فحسب، بل هي أيضًا كلمات امتنان للرفاق، "أبراج الذاكرة" التي تعيد القراء إلى اللحظات التاريخية المقدسة للأمة.
بالنسبة له، الكتابة وسيلةٌ لحفظ التاريخ - لا بالنصب التذكارية، ولا بالحصون، بل بالقلب الإنساني، بحقيقة التاريخ الراسخ. كيف يُمكن للأجيال القادمة، وهي تفتح صفحةً من كتاب، أن تلتقي بوجوهٍ حقيقية، وتسمع ضحكاتٍ حقيقية، وتشعر بالخسارة والتضحية التي لم تتلاشى مع مرور الزمن؟ «إنّ التمتع بالاستقلال والسلام أمرٌ صعبٌ ومؤلمٌ للغاية».
العقيد - الكاتب نجوين خاك نجويت يتحدث مع مراسلي صحيفة كونغ ثونج |
بعد مرور خمسين عامًا على انتصار الثلاثين من أبريل، لا يزال العقيد الكاتب نجوين خاك نجويت، جندي الدبابة في ذلك العام، يحتفظ بقسمه: "أعيش لأكتب. أكتب حتى يتمكن رفاقي من العيش من جديد. وأكتب حتى لا يُنسى التاريخ أبدًا".
ثانه ثاو
المصدر: https://congthuong.vn/dai-ta-nguyen-khac-nguyet-va-ky-uc-cua-nhung-nam-thang-hao-hung-384876.html
تعليق (0)