رحلة خضراء عبر ميلانو وتوسكانا وبولونيا

من شوارع ميلانو الخضراء، إلى تلال توسكانا الفواحة بعبير العنب، وحدائق بولونيا العتيقة المزدانة بالأشجار، لم يعد السفر الصديق للبيئة مجرد رفاهية، بل أصبح أسلوب حياة. وفي هذا السياق، تقود إيطاليا، المشهورة بأزيائها ومأكولاتها وفنونها، أوروبا بهدوء في مجال السفر الصديق للبيئة.

ميلانو: مدينة الموضة مع نمط حياة صديق للبيئة

ميلانو اسمٌ يُذكّر بمنصات عرض الأزياء والبدلات الفاخرة. تُعتبر أكبر منصة عرض أزياء عامة في العالم، حيث يتألق كل من يسير في الشارع بهالة أنيقة وتعبير شخصي من خلال ملابسه.

ليس هذا فحسب، بل تُعيد ميلانو تعريف نفسها كمدينة مستدامة. ومن أبرز رموز ميلانو الخضراء "بوسكو فيرتيكال" (المعروفة أيضًا باسم "الغابة العمودية")، وهما ناطحتا سحاب مغطاتان بالخضرة من أعلى إلى أسفل، من تصميم استوديو بويري (الذي يضم المهندسين المعماريين ستيفانو بويري وجياناندريا باريكا وجيوفاني لا فارا). لا يُعد هذا العمل المعماري عملاً معماريًا مُبهرًا بصريًا فحسب، بل يُساهم أيضًا في تصفية الغبار الناعم وخفض درجة حرارة الهواء المحيط بمقدار درجتين إلى ثلاث درجات في الصيف. وقد أصبح هذا المجمع وجهةً مفضلةً للسياح الراغبين في التعرّف على العمارة المستدامة.

زاوية من ناطحة سحاب Bosco Verticale مغطاة بالخضرة. الائتمان: ستيفانو بويري أرتشيتيتي

يشهد قطاع النقل في ميلانو تغيرًا جذريًا. فقد استثمرت المدينة في نظام الدراجات العامة "بايك مي"، الذي يتيح للزوار استئجار دراجة مقابل بضعة يوروهات فقط للتنقل في المناطق المركزية مثل بريرا، ونافيجلي، وبورتا فينيسيا. كما تم تخطيط العديد من المسارات خصيصًا للدراجات والحافلات الكهربائية. ومن المألوف رؤية سكان ميلانو يرتدون البدلات ويضعون سماعات الرأس للعمل بأناقة كل صباح. إنها صورة تعكس روح الحياة الخضراء الممزوجة بالطابع الإيطالي الأصيل.

من المعالم التي لا تُفوّت في ميلانو حديقة سيمبيوني، وهي حديقة واسعة بجوار قلعة سفورزا. وسط حفيف أوراق الشجر وعزف جيتارات طلاب الفنون، يمكن لزوار الصيف القراءة أو التنزه أو حتى الاستمتاع بتأملات عميقة في قلب مدينة اشتهرت سابقًا بإيقاعها الصناعي.

توسكانا: جنة النبيذ والتلال التي لا نهاية لها

من ميلانو، تستغرق الرحلة بالقطار أقل من ساعتين للوصول إلى فلورنسا، عاصمة توسكانا، وسط إيطاليا، والتي تُعتبر مهد الفن الأوروبي. ومن فلورنسا، يمكن للزوار استكشاف صيف توسكانا بسهولة بمناظرها الطبيعية الخلابة والشاعرية والهادئة. تبدو هذه الأرض كلوحة فنية نابضة بالحياة، بتلالها الهادئة وغابات السرو العتيقة وكروم العنب الشاسعة ومنازلها الحجرية المكسوة بالأزهار البرية.

مسار ركوب الدراجات في توسكانا

يمكن أن تبدأ السياحة الخضراء في توسكانا بركوب الدراجات عبر القرى القديمة. تقود الطرق المرصوفة بالحصى قرى مثل سان جيميجنانو، التي كانت تُعرف سابقًا باسم "مانهاتن العصور الوسطى" نظرًا لأبراجها الحجرية وأسواقها القديمة، أو بينزا، وهي موقع تراث عالمي مُدرج على قائمة اليونسكو، يتميز بعمارة عصر النهضة الرائعة وإطلالة واسعة على الأفق أو سماء مرصعة بالنجوم ليلًا بالعين المجردة.

من أشهر التجارب في توسكانا قطف العنب يدويًا مع السكان المحليين. من سبتمبر إلى أوائل أكتوبر، تفتح العديد من المزارع، مثل فاتوريا لا فيالا أو بوديري إيل كاسالي، أبوابها للزوار لموسم الحصاد. هنا، سيتلقى الزوار إرشادات خلال عملية اختيار العناقيد الناضجة، وقطفها بمقص صغير، وفرزها، ونقلها إلى مصنع النبيذ لعصرها بالطريقة التقليدية.

تشتهر قرية مونتيبولسيانو القديمة في توسكانا بصناعة النبيذ.

ليس هذا فحسب، بل يمكن لعشاق النبيذ تخمير نبيذهم الخاص، وتعبئته، ووضع اسمه عليه، وأخذه إلى المنزل كتذكار. غالبًا ما تتضمن دروس الطهي في المزرعة دروسًا في صنع خبز الفوكاشيا على الحطب، أو معكرونة البيتشي مع صلصة راجو المميزة والكمأة العطرية. كل لحظة في توسكانا مرتبطة بشعور من الحياة الهادئة، حيث تغمر نفسك في إيقاع الطبيعة والأرض.

تتميز توسكانا أيضًا ببيئة تخييم بيئية مزدهرة، بعيدًا عن صخب المدينة. بعض مواقع التخييم، مثل "أجريكامبينغ روميتا" أو "بوديري بيانيتي"، تقع في الغابات أو على ضفاف البحيرة، وتستخدم الطاقة الشمسية ومياه الآبار المفلترة والطعام من مزرعة قريبة. تحت أضواء النجوم وزقزقة الحشرات، ستدرك لماذا تُعدّ توسكانا وجهةً مثاليةً للاسترخاء.

بولونيا: قلب أكاديمي بإيقاع عصري

المباني القديمة في بولونيا كما تظهر من الأعلى

من فلورنسا، تستغرق رحلة القطار 30 دقيقة للوصول إلى بولونيا. إذا كانت ميلانو تجسيدًا للموضة، وتوسكانا جمال الحنين إلى الماضي، فإن بولونيا تقدم مزيجًا فريدًا من الذكاء والثقافة والروح البيئية العصرية. تضم بولونيا أقدم جامعة في أوروبا (جامعة بولونيا، التي تأسست عام 1088)، وتتميز دائمًا بحضور كبير من الطلاب - شباب منفتحون، يتصرفون بمسؤولية تجاه البيئة.

تتميز بولونيا بواحدة من أكثر شبكات النقل العام الصديقة للبيئة في إيطاليا، حيث تجوب حافلات كهربائية وترام وخطوط هجينة المدينة. وعلى وجه الخصوص، تحد حكومة المدينة من وصول المركبات الخاصة إلى مركز المدينة القديم (منطقة المرور المحدودة)، مما يقلل الانبعاثات والضوضاء بشكل كبير.

على زاوية شارع في بولونيا

تجربة لا تُنسى في بولونيا هي ركوب الدراجات عبر رواقها الممتد لنحو 40 كيلومترًا، والذي أدرجته اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي. مع تجنب شمس الصيف الحارقة، يمكن لراكبي الدراجات أيضًا التجول في أرجاء المدينة، والتوقف عند أي مكتبة أثرية أو زيارة مقهى على جانب الطريق. في المساء، غالبًا ما تتحول الساحة المركزية إلى سينما عامة ضخمة، تعرض أعمالًا كلاسيكية وحديثة من العديد من دور السينما العالمية.

سينما في الهواء الطلق في وسط بولونيا

بولونيا هي أيضًا "الرئة الخضراء" لمنطقة إميليا رومانيا، حيث تضم أكثر من 30 حديقة عامة، كبيرة وصغيرة. أبرزها حديقة جارديني مارغريتا، وهي حديقة عامة تبلغ مساحتها حوالي 26 هكتارًا، وتضم بحيرة وغابة صغيرة وحديقة نباتية. إنها مكان مثالي للنزهات، أو ممارسة اليوغا الصباحية، أو حتى مجرد الجلوس على مقعد لقراءة كتاب.

تستضيف المدينة بانتظام مهرجانات للأطعمة العضوية، وأسواقًا للمزارعين، وحملات لتبادل المواد القابلة لإعادة التدوير بهدايا صديقة للبيئة. هذا الشعور بالانتماء للمجتمع هو ما يجعل بولونيا أكثر من مجرد وجهة سياحية، بل مكانًا يشعر فيه كل من يزورها بأنه يعيش بين أناس طيبين ومسؤولين.

من إيقاع الدراجات في شوارع ميلانو القديمة، والعنب الممتلئ في توسكانا، إلى النسيم البارد من بحيرة الحديقة في بولونيا، فإن رحلة السفر الخضراء في إيطاليا هي دعوة للتباطؤ والتنفس بشكل أعمق والتواصل مع الأرض والسماء والناس.

في سياق تغير المناخ العالمي والحياة الصناعية للغاية، فإن اختيار السياحة الخضراء ليس مجرد خيار حضاري فحسب، بل هو أيضًا عمل يوضح الهوية الحية للجيل الحديث - معرفة كيفية الاستمتاع وحماية وتقدير ما تقدمه الطبيعة.

المصدر: https://heritagevietnamairlines.com/hanh-trinh-xanh-qua-milan-tuscany-va-bologna/