يواجه الشرق الأوسط مجددًا خطر اندلاع صراع واسع النطاق. ففي وقت مبكر من يوم 22 يونيو/حزيران (بالتوقيت المحلي)، أكد البنتاغون تنفيذه حملة غارات جوية أُطلق عليها اسم "عملية مطرقة منتصف الليل" استهدفت منشآت نووية إيرانية رئيسية.
هذه الخطوة العسكرية ، التي وُصفت بأنها "الأكبر منذ عقود"، لم تدفع العلاقات الأمريكية الإيرانية المتوترة أصلًا إلى أدنى مستوياتها فحسب، بل أشعلت أيضًا حالة من عدم اليقين في أسواق الطاقة والشحن العالمية. أصبح مضيق هرمز، شريان الحياة لنحو خُمس نفط العالم، الآن محور كل الاهتمام والقلق.
ضربة "مطرقة الليل" الرعدية وردّ طهران المتردد
أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أن عملية "مطرقة منتصف الليل" كانت "نجاحا مدويا وساحقا" خلال مؤتمر صحفي طارئ.
استهدفت الغارات الجوية المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية الثلاث في فوردو ونطنز وأصفهان. وتشير الصور الأولية للأقمار الصناعية التجارية إلى أن المنشأة النووية تحت الأرض في فوردو وأنظمة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم فيها ربما تكون قد تضررت بشدة، لدرجة أنها أصبحت غير قابلة للإصلاح.
مع ذلك، لا يزال الخبراء الدوليون حذرين، مشيرين إلى عدم وجود تأكيد مستقل للمدى الحقيقي للأضرار. كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرض المنشآت الثلاث للهجوم، لكنها قالت إنها لا تستطيع تقييم مدى الضرر في فوردو على الفور.
كان رد طهران سريعًا، وإن كان خطيرًا. صرّح قائد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وعضو البرلمان ، سردار إسماعيل كوثري، لوسائل الإعلام المحلية بصراحة تامة بأن "إغلاق مضيق هرمز قيد الدراسة"، وأن "إيران ستتخذ القرار الأكثر حسمًا ومنطقية".
هذا الإعلان أشبه بقنبلة موقوتة وُضعت في منتصف الطريق البحري الاستراتيجي، فمضيق هرمز ليس بوابة تصدير النفط لإيران فحسب، بل للعديد من دول الخليج الأخرى، مثل السعودية والإمارات والكويت والعراق وقطر. وإغلاق هذا المضيق، ولو لفترة قصيرة، كافٍ لإحداث صدمة خطيرة في سوق النفط العالمية.
حذّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من أن إغلاق إيران لمضيق هرمز سيكون بمثابة "انتحار اقتصادي " لطهران. كما دعا الصين، الشريك التجاري الأول لإيران وأهم مستهلك للنفط لديها، إلى الضغط عليها لوقف أي تعطيل للممر المائي. ومع ذلك، في ظل التوترات الحالية، من غير الواضح ما إذا كانت هذه الدعوات ستحظى بثقل كافٍ.
طهران تدرس إغلاق "مضيق هرمز" الاستراتيجي بعد الغارة الجوية الأميركية على إيران (صورة: رويترز).
هرمز "عاصف": سفينتان عملاقتان تعودان إلى مسارهما، وأسعار الشحن ترتفع بشكل كبير
وسرعان ما أصبحت المخاوف من عدم استقرار مضيق هرمز حقيقة واقعة.
أفادت بيانات تتبع السفن من بلومبرغ أن ناقلتي نفط عملاقتين (VLCCs)، وهما "كوزويسدوم ليك" و"ساوث لويالتي"، واللتان تبلغ حمولتهما حوالي مليوني برميل من النفط الخام، قد استدارتا بشكل غير متوقع أثناء دخولهما مضيق هرمز يوم الأحد (22 يونيو). وتم نقلهما جنوبًا، بعيدًا عن مدخل الخليج العربي.
يُنظر إلى هذا على أنه أول مؤشر واضح على أن شحنات النفط قد تبدأ في تغيير مسارها بعد الضربات الجوية الأمريكية. ويقول خبراء إن بعض السفن قد تختار الرسو خارج المضيق إذا توقعت الانتظار طويلًا في موانئ التحميل بسبب توتر الوضع.
تجدر الإشارة إلى أن تداخل الإشارات الإلكترونية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في الخليج العربي قد ازداد منذ الغارة الجوية الإسرائيلية المزعومة على أهداف إيرانية في 13 يونيو/حزيران. كما أكدت البحرية الملكية البريطانية رصدها "تداخلاً إلكترونياً" في مضيق هرمز يوم الأحد. ومع ذلك، أفاد خبراء بحريون بأن تحركات ودوران ناقلتي النفط العملاقتين "كوسويسدوم ليك" و"ساوث لويالتي" لا تزال نموذجية لعمليات نقل النفط الاعتيادية، وليست ناجمة بالكامل عن مشاكل فنية.
وفي مواجهة التطورات المعقدة، أصدرت وزارة النقل والشؤون البحرية اليونانية تحذيرا سريعا، مطالبة السفن التي تحمل العلم اليوناني بإعادة تقييم خططها للسفر عبر مضيق هرمز والبحث مؤقتا عن مرسى آمن حتى يصبح الوضع أكثر استقرارا.
كان رد الفعل في سوق الشحن فوريًا وقويًا. ارتفعت أسعار استئجار ناقلات النفط على الطرق من الشرق الأوسط ارتفاعًا هائلًا. في أقل من أسبوع، من قبل الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران (12 يونيو/حزيران) إلى 17 يونيو/حزيران، ارتفعت أسعار استئجار ناقلة عملاقة من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا بنسبة تقارب 60%.
على وجه التحديد، قفز سعر الفائدة المرجعي لناقلات النفط الخام العملاقة (VLCC) التي تحمل مليوني برميل من النفط الخام من الشرق الأوسط إلى الصين من حوالي 44 نقطة على المقياس العالمي إلى ما بين 70 و71 نقطة على المقياس العالمي. وبحساب تكلفة استئجار السفينة يوميًا، وصل هذا الرقم إلى ما يقرب من 46 ألف دولار أمريكي في 17 يونيو، بزيادة قصيرة الأجل تجاوزت 12 ألف دولار أمريكي يوميًا، وهي أكبر زيادة منذ فبراير 2024، وفقًا لبيانات بورصة البلطيق.
شهدت سوق اتفاقيات الشحن الآجل (FFAs) ارتفاعًا حادًا ليلة 22 يونيو، مما يعكس توقعات المستثمرين بانقطاعات الإمدادات القادمة. يسارع المصدرون لحجز السفن، لكنهم لا يحصلون إلا على عروض قليلة من مالكي السفن الذين يتجنبون المخاطرة. في الواقع، حتى قبل هجمات نهاية الأسبوع في الولايات المتحدة، ارتفعت إيرادات ناقلات النفط المرجعية بنسبة تقارب 90%.
وسط مخاوف من عدم استقرار مضيق هرمز، استدارت ناقلتان عملاقتان، كل منهما قادرة على حمل نحو مليوني برميل من النفط الخام، فجأة أثناء دخولهما مضيق هرمز يوم الأحد (صورة: رويترز).
أسعار النفط ترتفع بشكل حاد، والأسهم تتقلب: "شبح" أزمة الطاقة يتربص
ولم يقتصر الأمر على سوق النقل فحسب، بل شهدت أسعار النفط الخام - السلعة الأكثر حساسية للتقلبات الجيوسياسية في الشرق الأوسط - "تحولاً" فورياً أيضاً.
ارتفع كلٌّ من خام برنت، المعيار العالمي، وخام غرب تكساس الوسيط، المعيار الأمريكي، بنحو 4% عند افتتاح الأسواق مساء الأحد. ورغم أن المكاسب قد تضاءلت منذ ذلك الحين، إلا أنها تُعدّ مؤشرًا واضحًا على قلق السوق العميق بشأن احتمال حدوث انقطاعات في إمدادات النفط العالمية. وكانت أسعار النفط قد ارتفعت بالفعل بنحو 3% هذا الأسبوع عقب سلسلة من الهجمات بين إسرائيل وإيران.
أدلى آندي ليبو، رئيس شركة ليبو أويل أسوشيتس الاستشارية، ببعض الملاحظات المهمة في تقريرٍ قدّمه لعملائه: "إذا تأثرت صادرات النفط عبر مضيق هرمز، فقد نشهد وصول أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، أو ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بمقدار 0.75 دولار للغالون". وفي أسوأ الأحوال، إذا ارتفعت أسعار النفط إلى 120 دولارًا للبرميل، فقد ترتفع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بمقدار 1.25 دولار للغالون.
وأكد السيد ليبو أيضًا أنه حتى لو لم تقم إيران بإغلاق المضيق رسميًا، فإن قيام شركات الشحن بتقليص عملياتها في المنطقة بشكل استباقي سيكون بمثابة "اضطراب فعلي في الإمدادات".
لم تتوقف الموجة السلبية عند سوق الطاقة. بل تفاعل سوق الأسهم الأمريكية سلبًا مع خطر اتساع نطاق الصراع. انخفضت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 0.6%، وخسرت العقود الآجلة لمؤشر داو جونز نحو 250 نقطة (أو 0.6%)، وانخفضت العقود الآجلة لمؤشر ناسداك 100 بنسبة 0.7% في ساعات التداول الأولى بعد الحدث. ورغم أن الانخفاضات تقلصت لاحقًا، إلا أنها أظهرت حالة عدم اليقين لدى المستثمرين.
قال محللون في جي بي مورغان إن العديد من المستثمرين أعربوا الأسبوع الماضي عن مخاوفهم من امتداد الصراع بين إيران وإسرائيل، وقد أصبحت هذه المخاوف واقعًا ملموسًا. والأمر الأكثر إثارة للقلق، وفقًا لجي بي مورغان، هو "غياب مسار واضح لحل سياسي لهذا الصراع العسكري، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن الأزمة، كما هو الحال في غزة، قد تستمر لفترة أطول بكثير مما يتوقعه المستثمرون".
تسببت الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط في ارتفاع أسعار النفط الخام على الفور (صورة توضيحية: Tovima.com).
وفي السياق الحالي، تتجه كل الأنظار إلى الرد الإيراني المقبل.
يبقى السؤال المطروح: هل ستغلق طهران مضيق هرمز فعلاً؟ فمثل هذه الخطوة ستكون سلاحاً ذا حدين، وستُلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد الإيراني المتعثر أصلاً. مع ذلك، فإن ضغط المتشددين في الداخل، والحاجة إلى "إظهار القوة" بعد الغارة الجوية الأمريكية، قد يدفعان إيران إلى أفعال غير متوقعة.
نقلت يورونيوز أيضًا عن مصادر تحذيرية من أنه في حال استمرار تصاعد التوترات، قد تستخدم إيران صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى لمهاجمة منصات النفط وخطوط الأنابيب في مضيق هرمز أو السفن التجارية. ويمكن لصواريخ أرض-أرض استهداف ناقلات النفط أو المنشآت الساحلية، بينما قد تؤدي الطائرات المسيرة والغارات الجوية المحدودة إلى تدمير أنظمة الرادار والملاحة في موانئ النفط الرئيسية في المنطقة.
يواجه العالم اختبارًا صعبًا للغاية. أي خطوة خاطئة من أيٍّ من الجانبين قد تُغرق الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي في أزمة جديدة أعمق.
من المتوقع أن تستمر تقلبات أسواق النفط والشحن في الأيام المقبلة، إذ يظل عدم الاستقرار وعدم اليقين السمة الغالبة. ويُخشى أن يفيض "تسرب النفط" من مضيق هرمز، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على أمن الطاقة والتعافي الاقتصادي الهش للعالم.
ويقول الخبراء إن هذه الأزمة من المرجح أن تطول، مما يتطلب اليقظة والجهود الدبلوماسية المتواصلة من جانب المجتمع الدولي.
المصدر: https://dantri.com.vn/kinh-doanh/hormuz-cang-nhu-day-dan-the-gioi-nin-tho-cho-giot-dau-tran-ly-20250623133359068.htm
تعليق (0)