مجموعة البريكس تزيد حجم التجارة بين دولها، وتستخدم العملات المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. (المصدر: SAN.com) |
اكتسبت مجموعة البريكس أهمية بالغة في ديناميكية الاقتصاد العالمي بفضل القوة المشتركة لاقتصادات أعضائها الخمسة. وبفضل تعداد سكانها الكبير ومواردها الطبيعية الوفيرة ونموها الاقتصادي السريع، أصبحت المجموعة محرك النمو الاقتصادي العالمي ، وتلعب دورًا محوريًا في صياغة السياسات العالمية.
ومن بين المبادرات الرئيسية التي تتبناها المجموعة زيادة التجارة داخل الكتلة، باستخدام العملات المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي.
إمكانات اقتصادية هائلة
تتمتع مجموعة البريكس بإمكانيات اقتصادية هائلة. على سبيل المثال، في عام ٢٠٢٢، سيصل الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة إلى حوالي ١٨.٦ تريليون دولار أمريكي، أي ما يقرب من ربع الناتج العالمي. وتساهم الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بأكثر من ٧٠٪ من نمو الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة.
النمو الاقتصادي السريع والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والصادرات القوية والاستهلاك المحلي المرتفع هي العوامل الرئيسية التي تمنح بكين الأساس للمساهمة في النمو الاقتصادي لمجموعة البريكس.
علاوةً على ذلك، تُعدّ الصين من أكبر أسواق الاستهلاك في العالم، ولها تأثيرٌ كبيرٌ على أهداف التصدير والنمو الاقتصادي لدول المجموعة.
من ناحية أخرى، تُعدّ روسيا من أكبر منتجي الطاقة في العالم، وتمتلك احتياطيات وفيرة من الموارد الطبيعية، وخاصةً النفط والغاز. وتُعد هذه المساهمة بالغة الأهمية في تلبية احتياجات الطاقة العالمية، وتُعدّ عاملاً أساسياً في التعاون في مجال الطاقة بين أعضاء مجموعة البريكس.
تلعب موسكو أيضًا دورًا في التطوير التكنولوجي والصناعي، لا سيما في مجالات الدفاع والفضاء والتكنولوجيا النووية. تتمتع روسيا بخبرة وإمكانات في هذه المجالات، ويمكنها أن تُسهم إسهامًا كبيرًا في تطوير التكنولوجيا المتقدمة لدول البريكس.
علاوةً على ذلك، عززت روسيا التعاون التجاري بين دول البريكس، بما في ذلك جهودها الرامية إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية. وعززت موسكو مؤخرًا تنويع العملات في التجارة الثنائية مع دول البريكس، ما يُعدّ خطوةً مهمةً في عملية التخلي عن الدولرة.
إلى جانب الصين وروسيا، تحافظ الهند أيضًا على معدل نمو ثابت. وأصبحت نيودلهي واحدة من أكبر أسواق العالم، بتعداد سكاني كبير ونمو اقتصادي متسارع.
وفي القمة الخامسة عشرة لمجموعة البريكس، أعلنت المجموعة أنه اعتبارًا من الأول من يناير/كانون الثاني 2024، ستصبح ست دول أخرى، بما في ذلك الأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، أعضاءً رسميًا في الكتلة.
ويقول الخبراء إن توسيع عضوية مجموعة البريكس يشبه "إعطاء أجنحة للنمر"، مما يساعد على رفع مكانة الكتلة ونفوذها على الساحة الدولية.
ستُشكّل مجموعة البريكس المُوسّعة ما يقرب من 40% من الاقتصاد العالمي. ويتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة البريكس بالفعل ناتج مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وستتسع الفجوة مع انضمام ستة أعضاء جدد إلى البريكس العام المقبل.
سيبلغ الناتج المحلي الإجمالي الموسع لمجموعة البريكس، مُقاسًا بتعادل القوة الشرائية (PPP)، حوالي 65 تريليون دولار، مما يرفع حصة المجموعة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 37%، مقارنةً بـ 31.5% حاليًا. وتبلغ حصة مجموعة السبع حاليًا حوالي 29.9%.
بالإضافة إلى ذلك، ومع انضمام أعضاء جدد، ستُمثل دول البريكس ما يقرب من نصف إنتاج الغذاء العالمي. في عام 2021، بلغ حصاد القمح للمجموعة 49% من الإجمالي العالمي، بينما بلغت حصة مجموعة السبع 19.1%. وستُمثل مجموعة البريكس الموسعة حوالي 38.3% من الناتج الصناعي العالمي، مقارنةً بنسبة 30.5% لمجموعة السبع.
يواجه الدولار الأمريكي تحديات متزايدة من دول البريكس. (المصدر: iStock) |
توحيد الجهود من أجل "إسقاط" الدولار الأمريكي
في السنوات الأخيرة، وبفضل قوتها الاقتصادية ونفوذها، طرحت مجموعة البريكس العديد من الحلول للتجارة والتمويل الدوليين، مما أدى مباشرةً إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.
عملت المجموعة على تشجيع استخدام العملات المحلية للدول المعنية في التجارة، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على العملات الأجنبية وتعزيز التكامل الاقتصادي.
كانت إحدى الخطوات الأكثر أهمية هي إنشاء مجموعة البريكس لبنك التنمية الجديد في عام 2014. تم إنشاء بنك التنمية الجديد لتوفير القروض لمشاريع تطوير البنية التحتية في الدول الأعضاء في مجموعة البريكس وخارجها، باستخدام العملات الوطنية بدلاً من الدولار الأمريكي.
وبحسب بيانات البنك الدولي، من المتوقع أن يصل حجم التجارة بين دول البريكس إلى أكثر من 500 مليار دولار أمريكي في عام 2022. ورغم أن هذا الرقم لا يزال أقل بكثير من التجارة العالمية، فإن معدل النمو المطرد يُظهر أن اتجاه تقليل الاعتماد على العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأمريكي، آخذ في التطور.
قال نائب رئيس جنوب أفريقيا، بول ماشاتيل، ذات مرة إن العالم يُولي اهتمامًا لمجموعة البريكس، لأنها تقود نقاشات عالمية لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. وأكد قائلًا: "نحن لا ننافس الغرب، بل نريد أن نحتل مكانتنا في عالم الأعمال".
وأشارت المجموعة أيضًا إلى إمكانية إدخال عملة تجارية مشتركة للكتلة خلال قمة البريكس في أغسطس/آب 2023.
ورغم أن مثل هذه العملة لا تزال في مرحلة التطوير، قال جو سوليفان، المستشار الخاص السابق لمجلس مستشاري البيت الأبيض الاقتصاديين، إن مجموعة البريكس الموسعة لديها القدرة على "الإطاحة" بهيمنة الدولار الأميركي، حتى من دون عملة مشتركة.
وأكد السيد جو سوليفان أن "الدولار الأميركي يواجه تحديات متزايدة من جانب دول مجموعة البريكس بسبب خطط التوسع التي تنتهجها المجموعة وجهودها الرامية إلى تعزيز استخدام العملات الوطنية في التجارة بين الدول الأعضاء".
لا شك أن تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي. وهذا قد يُخفف من تأثير تقلبات أسعار الصرف على التجارة والاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، باستخدام العملات المحلية في التجارة، تستطيع دول البريكس حماية نفسها من التقلبات التي قد تنشأ عن السياسة النقدية الأمريكية أو عدم استقرار السوق العالمية.
إن تغيير هيمنة الدولار الأميركي لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، ولكن الخطوات التي اتخذتها مجموعة البريكس ساهمت إلى حد كبير في إصلاح الهيكل المالي الدولي الذي يعتمد على العملة الخضراء.
وتدرك الدبلوماسية الحديثة أيضاً أن التحرك بعيداً عن الدولار قد يكون في الأمد البعيد محركاً لنظام مالي عالمي أكثر استقراراً وتوازناً.
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)