في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، احتفلت الهند وكوريا الجنوبية بمرور 50 عاما على علاقاتهما الثنائية المضطربة (1973-2023).
الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في سبتمبر 2023. (المصدر: ANI) |
في بيانٍ بهذه المناسبة، أعرب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول عن أمله في تعزيز الشراكة الاستراتيجية الخاصة مع الهند. وأكد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في تغريدةٍ على موقع التواصل الاجتماعي X، أن العلاقات الهندية الكورية الجنوبية "رحلةٌ من الاحترام المتبادل والقيم المشتركة والشراكة المتنامية".
من "البارد" إلى "الدافئ"
على الرغم من الدور المحوري للهند في منع الحرب الكورية، إلا أن الحرب الباردة أثّرت سلبًا على علاقاتها مع كوريا الجنوبية. في البداية، اعتُبرت مبادرة الهند لإقامة علاقات مع كوريا الجنوبية عام ١٩٧٣ بادرة دبلوماسية لم يُتوقع لها تحقيق تقدم يُذكر.
لكن نهاية الحرب الباردة شكّلت نقطة تحول. إذ انبهر القادة الآسيويون، وخاصةً في الهند، بالنمو الاقتصادي السريع لدول شرق آسيا، وبدأوا يُبدون اهتمامًا بالغًا بنجاح كوريا الجنوبية واليابان. في الوقت نفسه، ومع سعي سيول إلى أسواق جديدة لاقتصادها المعتمد على التصدير، اتجه قادتها السياسيون ورجال الأعمال بشكل متزايد إلى الهند.
انطلاقا من المصالح المشتركة، قامت الهند وكوريا الجنوبية ببناء شبكة جديدة من الاتفاقيات، مما يدفع كل منهما إلى تعزيز العلاقات بينهما.
كان من أبرز الأحداث زيارة الرئيس الكوري الجنوبي كيم يونغ سام إلى نيودلهي في فبراير/شباط 1996، حيث وقع اتفاقية الشراكة الموجهة نحو المستقبل، والتي حددت هدفاً لرفع حجم التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2000. ثم وقع الزعيمان اتفاقية لإنشاء اللجنة الكورية الهندية المشتركة، مع التركيز على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية والثقافية.
في عام 2004، وخلال زيارة الرئيس الكوري الجنوبي روه مو هيون إلى الهند، أقام الجانبان شراكة تعاونية طويلة الأمد من أجل السلام والازدهار، بهدف زيادة حجم التجارة إلى 10 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2008. وبعد عام، وقع الجانبان اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA)، والتي دخلت حيز التنفيذ اعتبارًا من يناير 2010.
ومن الجدير بالذكر أنه مع تطور الشراكة في عالم سريع التغير، أصبحت كل من الهند وكوريا الجنوبية أكثر توجهًا استراتيجيًا. وفي ضوء ذلك، أقامت نيودلهي وسيول عام ٢٠١٠ شراكة استراتيجية تشمل التعاون في مجال أمن الحدود والدفاع.
بعد خمس سنوات، رفع البلدان مستوى علاقتهما إلى شراكة استراتيجية خاصة، مُرسين بذلك إطارًا لاجتماعات سنوية رفيعة المستوى من خلال زيارات ثنائية ومنتديات متعددة الأطراف. وبادرت سيول ونيودلهي بمبادرة الحوار الوزاري 2+2 بين وزراء الخارجية والدفاع.
كان آخر لقاء جمع الزعيمين في سبتمبر 2023، على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي. وهناك، اتفق الرئيس يون سوك يول ورئيس الوزراء ناريندرا مودي على تعزيز شراكتهما الاستراتيجية الخاصة. وفي الوقت نفسه، تعهد الزعيمان بمواصلة المساهمة في السلام والاستقرار الإقليميين من خلال التعاون المتناغم بين استراتيجية جمهورية كوريا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وسياسة الهند تجاه الشرق.
وفي مجال التعاون الاقتصادي والتجاري، بدأت المفاوضات لتعديل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة لمعالجة المخاوف المتزايدة لدى الجانبين.
وفي الوقت نفسه، أعربت نيودلهي عن اهتمامها بأنظمة الأسلحة المتطورة بشكل متزايد في سيول، مما أدى إلى إبرام صفقة بقيمة 650 مليون دولار لتصدير مدافع الهاوتزر ذاتية الحركة من طراز K9 من كوريا الجنوبية إلى الهند، إلى جانب مناقشات حول مشاريع مشتركة محتملة لتصنيع أنظمة الأسلحة في الدولة الواقعة في جنوب آسيا.
مواجهة الحاجز
ورغم هذه الإنجازات، لا يزال الجانبان يواجهان العديد من العوائق القائمة منذ فترة طويلة.
أولاً، على الرغم من الجهود المبذولة، وصلت مفاوضات مراجعة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) إلى طريق مسدود بسبب عدم رغبة كلا الجانبين في تقديم تنازلات لمطالب الطرف الآخر. في هذا السياق، يخشى البعض من أن الهند وكوريا الجنوبية قد لا تحققان هدف التبادل التجاري البالغ 50 مليار دولار بحلول عام 2030. كما أن الاستثمارات الكورية الجنوبية في الهند لم تكن على قدر التوقعات. ولا يزال عدد الطلاب الكوريين الجنوبيين الذين يدرسون في الهند منخفضًا.
علاوة على ذلك، فإنّ التصور المتبادل بين البلدين محدود. فصورة الأماكن العامة غير الصحية، ومعدلات الجريمة المرتفعة، والتفاوت الاجتماعي التي لا تزال قائمة في أجزاء من الهند، تُلقي بظلالها على التعاون الاقتصادي والدفاعي بين البلدين. كما أن التفاوت الكبير في دخل الفرد، حيث يتجاوز دخل الفرد في كوريا الجنوبية نظيره في الهند بكثير، يُسهم في ترسيخ التحيز ضد هذه الدولة الجنوب آسيوية، مما يؤثر سلبًا على ديناميكيات الشراكة بين البلدين.
من ناحية أخرى، حان الوقت لأن تنظر نيودلهي إلى سيول كشريك شامل، وليس مجرد مصدر للاستثمار ونقل التكنولوجيا وشراء أسلحة جديدة. في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها كوريا الجنوبية، بما في ذلك تراجعها المتوقع إلى المرتبة الخامسة عشرة في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050، تحتاج الهند إلى استراتيجية شاملة لدعم سيول في التغلب على التحديات المقبلة.
أخيرًا، في مجال التعاون الدفاعي، لا تزال إدارة برنامج المشتريات الدفاعية الكورية الجنوبية (DAPA) حذرة في تعاملاتها مع نيودلهي. وقد أعاق هذا مرارًا جهود الهند لشراء أنظمة أسلحة متطورة من كوريا الجنوبية وضمان نقل التكنولوجيا منها، مما أعاق تحقيق الشراكة الدفاعية بين البلدين بشكل كامل.
في ذلك الوقت، يحتاج الجانبان إلى تضييق الفجوة النفسية، والمساهمة في التنمية المستدامة، والتكيف مع تقلبات العالم. وهذا ضروري للتنمية المستدامة للعلاقات الهندية الكورية في العقود الخمسة المقبلة وما بعدها.
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)