بفضل سلسلة من الإجراءات التحفيزية، يسير قطاع السياحة العالمي نحو التعافي كما كان عليه قبل تفشي جائحة كوفيد-19. ومع اغتنام فرصة الانطلاق، من المتوقع أن يُسهم قطاع السياحة الخالية من التدخين إسهامًا قويًا في النمو الاقتصادي العالمي، مع تعزيز إمكاناته لتعزيز التماسك والمساهمة في السلام والتنمية المستدامة.

تُبرز البيانات الصادرة مؤخرًا عن منظمة الأمم المتحدة للسياحة (UN Tourism) المؤشرات الإيجابية لقطاع السياحة العالمي في الآونة الأخيرة. ووفقًا للمنظمة، سجّلت الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 وصول حوالي 790 مليون سائح دولي، بزيادة قدرها حوالي 11% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2023، وبانخفاض قدره 4% فقط عن مستوى عام 2019.
من المتوقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا زيادة في أعداد الوافدين الدوليين تتجاوز مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19. كما أن مناطق أخرى ليست بعيدة عن تحقيق هدفها المتمثل في استعادة أعداد الوافدين الدوليين. ووفقًا لمنظمة السياحة العالمية، ستصل عائدات السياحة الدولية في عام 2023 إلى حوالي 1.8 تريليون دولار أمريكي، أي ما يقارب مستويات ما قبل الجائحة. وفي النصف الأول من عام 2024، ستنمو عائدات السياحة الدولية في العديد من الدول، مثل ألبانيا وصربيا والبرتغال وتركيا وكولومبيا وغيرها، بمعدلات ثنائية وثلاثية الأرقام مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2019. وهذا يُعطي نظرة متفائلة لآفاق النمو للعام بأكمله.
تشير هذه الأرقام المؤثرة إلى إمكانية انتعاش قطاع السياحة بالكامل بحلول نهاية عام ٢٠٢٤. وتعزو منظمة السياحة العالمية هذا الانتعاش إلى الطلب القوي من السياح الأوروبيين وإعادة فتح العديد من الأسواق في آسيا وأوقيانوسيا. وصرح الأمين العام للأمم المتحدة للسياحة، زوراب بولوليكاشفيلي، بأن إجراءات زيادة الربط الجوي وتخفيف قيود التأشيرات كانت أيضًا عوامل ساهمت في الانتعاش.
على الرغم من الإنجازات العديدة، لا يزال قطاع السياحة العالمي يواجه تحديات عديدة. ويشير الخبراء إلى أن التضخم واضطرابات التجارة، التي تؤدي إلى ارتفاع تكاليف السفر والإقامة، تُعدّ من أبرز التحديات التي تواجه قطاع السياحة. إضافةً إلى ذلك، يُشكّل نقص الموارد البشرية مشكلةً كبيرةً مع تزايد الطلب على السياحة. ولا تزال الظواهر الجوية المتطرفة تؤثر بشكل مباشر على العديد من الأنشطة السياحية. كما يُقلّل عدم الاستقرار الجيوسياسي من توقعات انتعاش قطاع السياحة العالمي.
يُظهر التعافي السريع، بالإضافة إلى التحديات، الحاجة المُلِحّة إلى سياسات أكثر شمولاً واستدامةً لقطاع السياحة، لا تقتصر على الفوائد الاقتصادية فحسب. خلال اجتماع وزراء سياحة مجموعة العشرين الأخير في بيليم، البرازيل، سلّط المندوبون الضوء على المساهمات المهمة لقطاع "السياحة الخالية من التدخين" في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويؤكد إعلان بيليم الذي اعتمده وزراء سياحة مجموعة العشرين الالتزام المشترك بتطوير قطاع سياحة أكثر استدامةً ومرونةً وشمولاً. وبما أن مجموعة العشرين تُمثّل أكثر من 70% من إجمالي عدد السياح الدوليين الوافدين وإيراداتهم عالميًا، فإنها بحاجة إلى أن تأخذ زمام المبادرة في الجهود الرامية إلى تعزيز نقاط قوة قطاع السياحة.
يمكن للسياحة أيضًا أن تُصبح "محفزًا" يُسهم في تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والدول، مما يُعزز السلام والتنمية. وهذا ما تُؤكده الأمم المتحدة للسياحة. يوم السياحة العالمي (٢٧ سبتمبر) موضوع عام ٢٠٢٤ هو "السياحة والسلام". يأتي هذا الموضوع في وقته المناسب، إذ يهدد استمرار الصراعات السلام، ويعرقل انتعاش الاقتصادات عمومًا، وقطاع السياحة خصوصًا، ونموها المستدام.
في رسالته بمناسبة يوم السياحة العالمي، سلّط الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الضوء على الصلة بين السياحة والسلام. وقال إن السياحة تُعزز الترابط بين الاقتصادات، مما يُشجع على التعاون والتنمية. وأضاف أن كل سائح يُمكن أن يُصبح سفيرًا يُساهم في جهود توحيد الدول. وكما دعا رئيس الأمم المتحدة، فإن المجتمع الدولي بحاجة إلى تضافر الجهود لاستغلال إمكانات قطاع السياحة لبناء جسور التواصل بين الثقافات، والمساهمة في ضمان السلام والازدهار لجميع الشعوب.
مصدر
تعليق (0)