فركتُ يديَّ، فوجئتُ بهواء المطر البارد الذي ملأ الشوارع. فجأةً، تهتُ في مقهى هادئ في الحديقة، كما لو أن هذا المكان ليس في منتصف الشارع، وكأنّ ضجيج الخارج لا يخترق سياج الخيزران أمام باب المتجر. بفضول، دخلتُ لاستكشاف هذا المكان الغريب. كان ديكوره الداخلي بسيطًا. كراسيّ من الخيزران، طاولات من الخيزران، وشجيرات خيزران صغيرة مزروعة في فناء المتجر. بدا صغيرًا وجميلًا، قريبًا، كما لو كنتُ تائهًا في قرية صغيرة من الماضي...
يجب أن يكون صاحب المتجر شخصًا لطيفًا وأنيقًا ليُزيّنه بهذا الشكل. رائحة الزيوت العطرية الطبيعية خفيفة ولطيفة. الموسيقى هادئة وصاخبة بما يكفي للاستماع إليها. انغمس في هذا المكان البارد، وانغمس في ذكريات الطفولة، وأمسيات الظهيرة عندما كنا نتجنب القيلولة وندعو بعضنا البعض لقطع الخيزران لصنع الحقن. "الرصاصات" هي ثمار جوت قديمة، محشوة داخل أنابيب الخيزران، ثم تُدفع للخارج بواسطة عصا خيزران مستديرة. تُضغط "الرصاصات" داخل أنبوب طويل، وعندما تنفجر، يُصدر صوت فرقعة لطيف.
في أوائل الخريف، كنا نذهب دائمًا لجمع الجوافة الناضجة لنأكلها. لم يكن هناك ما هو أمتع من الجلوس على شوكة شجرة جوافة، نأكلها ونرمي أطرافها في البركة، "يا صاحبي!". تردد صدى ضحكاتنا في أرجاء الحي. أخرجت الأمهات سياطهن على الفور وطاردن أطفالهن إلى منازلهم. في إحدى المرات، خشيتُ أن تُمسك بي أمي وتضربني، فانزلقتُ أرضًا، فخدش غصنٌ يابس ساقي. غسلتني أمي بالماء المالح وأجبرتني على الاستلقاء ووجهي للأسفل وضربتني. بكيت ولومتُ أمي على عدم حبها لي وتوبيخها لي باستمرار. عندما بلغتُ، ابتعدتُ عن أمي أكثر لأنني ظننتُ أنها لا تعرف سوى فرض إرادتها على أطفالها. كنتُ دائمًا أجادلها، وأدافع عن غروري. أمي لا تعرف سوى البكاء بلا حول ولا قوة. عندما رأيتُ أمي تبكي، لم أكن أحبها فحسب، بل ازداد غضبي لأنني ظننتُ أنها تستخدم دموعها لإجباري على الطاعة. هكذا، ابتعدت تدريجياً عن أحضان أمي.
ولكن للأسف، كان الطائر الصغير متحمسًا فقط للسماء الواسعة، ولم يكن يعرف الصعوبات العديدة التي تنتظره في المستقبل.
بسبب عنادي، صررت على أسناني وتحملت الفشل، صررت على أسناني وأنا أكافح للنهوض. كنت أخشى أن أسمع أمي توبخني إن تكلمت، وأخشى رؤية عينيها الخائبتين. كنت أتوق إلى إثبات ذاتي. وهكذا تناقصت مدة عودتي إلى المنزل تدريجيًا...
لم أكن أعلم أن والدتي تتقدم في السن بهذه السرعة.
لم أكن أعلم أن زمن أمي يقصر تدريجيا.
لا أسمع تنهدات أمي في الليل.
لم أكن أعلم أن أمي لا تزال تنظر إلى الهاتف كل ليلة تنتظر مكالمة مني.
* * *
الزمن لا ينتظر أحدًا. عندما أدركتُ حب أمي لي، كادت شمعة حياتها أن تنطفئ. عندما عرفتُ كيف أشتري طعامًا لذيذًا لأحضره إلى المنزل، وكيف أشتري ملابس أنيقة لأمي، لم تستطع الأكل لأنها اضطرت لاتباع حمية غذائية لخفض نسبة السكر والدهون في الدم. عندما رأيتُ وجبة أمي النباتية البسيطة، شعرتُ بحرقة في عيني. اتضح أنني كنتُ أكبر فشل في هذه الحياة لأنني لم أستطع ردّ الجميل لوالديّ.
توفيت أمي في أحد أيام الخريف المبكرة، قبل يوم واحد فقط من مهرجان فو لان. يُقال إن من رحلوا في هذه المناسبة الخاصة قد بذلوا جهدًا كبيرًا في العمل الصالح. لا أعلم إن كان هذا صحيحًا أم لا، ولكن عندما توفيت، كان وجهها هادئًا، وابتسامتها تعلو شفتيها، ولم تكن تتألم من المرض كما كانت في الأيام السابقة.
حلّ موسم فو لان من جديد. الشوارع باردة من جديد. يمتلئ قلبي بندم طفلٍ لم يُؤدِّ واجباته الأبوية. فجأةً، يُشغِّل المتجر أغنيةً حزينةً، حزينةً للغاية، مُفجعةً للقلب: "وردةٌ لكِ، وردةٌ لي، وردةٌ لأولئك، لمن لا يزالون يملكون أمهاتهم، ولا يزالون يملكون أمهاتهم ليكونوا أكثر سعادةً...".
يأتي فو لان كل عام، لكنك لم تعد هنا لأعبر عن امتناني لك يا أمي!
مصدر
تعليق (0)